التّفسير
اِسألوا إِن كنتم لا تعلمون!!
بعد أنْ عرض القرآن في الآيتين السابقتين حال المهاجرين في سياق حديثه عن المشركين، يعود إِلى بيان المسائل السابقة فيما يتعلق بأُصول الدين من خلال إِجابته لأحد الإِشكالات المعروفة; حين يتقول المشركون: لماذا لم ينزل اللّه ملائكة لإِبلاغ رسالته؟ ... أو يقولون: لِمَ لَمْ يجهز النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بقدرة خارقة ليجبرنا على ترك أعمالنا!!؟... فيجيبهم اللّه عزَّ وجلّ بقوله: (وما أرسلنا من قبلك إِلاّ رجالا نوحي إِليهم).
نعم.
فإِنّ أنبياء اللّه(عليهم السلام) جميعهم من البشر، وبكل ما يحمل البشر من غرائز وعواطف إِنسانية، حتى يحس بالألم ويدرك الحاجة كما يحس ويدرك الآخرون.
في حين أن الملائكة لا تتمكن من إِدراك هذه الأُمور جيداً والاطلاع على ما يدور في أعماق الإِنسان بوضوح.
إِنّ وظيفة الأنبياء إِبلاغ رسالة السماء والوحي الإِلهي، وإِيصال دعوة اللّه إلى الناس والسعي الحثيث وبالوسائل الطبيعية لتحقيق أهداف الوحي، وليس باستعمال قوى إِلهية خارقة للسنن الطبيعية لإِجبار الناس بقبول الدعوة وترك الإِنحرافات، وإِلاّ فما كان هناك فخر للإِيمان ولا كان هناك تكامل.
ثمّ يضيف القول (تأكيداً لهذه الحقيقة): (فاسألوا أهل الذكر إِن كنتم لا تعلمون).
"الذكر": بمعنى العلم والإِطلاع، و"أهل الذكر" له من شمولية المفهوم بحيث يستوعب جميع العالمين والعارفين في كافة المجالات.
وإِذا فسّر البعض كلمة "أهل الذكر" في هذا المورد بمعنى (أهل الكتاب)، فهو لا يعني حصر هذا المصطلح بمفهوم معين، وما تفسيرهم في واقعة إِلاّ تطبيق لعنوان كلي على أحد مصاديقه.
لأنّ السؤال عن الأنبياء والمرسلين السابقين وهل أنّهم من جنس البشر وذوي رسالات ووظائف ربانية، يجب أن يكون من علماء أهل الكتاب.
وبالرّغم من عدم وجود الوفاق التام بين علماء اليهود والنصارى من جهة والمشركين من جهة أُخرى، إِلاّ أنّهم مشتركون في مخالفتهم للإِسلام، ولهذا فيمكن أن يكون علماء أهل الكتاب مصدراً جيداً بالنسبة للمشركين في معرفة أحوال الأنبياء السابقين.
يقول الراغب في مفرداته: إِنّ الذكر على معنيين، الأوّل: الحفظ.
والثّاني: التذكر واستحضار الشيء في القلب.
ولذلك قيل: الذكر ذكران، ذكر بالقلب وذكر باللسان... ولذا رأينا أنّ الذكر يطلق على القرآن لأنّه يعرض الحقائق ويكشفها.
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي﴾ بالنون والياء ﴿إِلَيْهِمْ﴾ لا ملائكة رد لإنكارهم كون الرسول بشرا بأن هذا هو السنة مستمرة على مقتضى الحكمة ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ أهل العلم من كانوا أو أهل الكتاب أو أهل القرآن، وعنهم (عليهم السلام) نحن أهل الذكر ﴿إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ ذلك فيعلمونكم.