أو أنّ العذاب الإلهي لا يأتيهم على حين غفلة منهم بل بشكل تدريجي ومقرونا بالأنذار المتكرر: (أو يأخذهم على تخوف).
فاليوم مثلا، يصاب جارهم ببلاء، وغداً يصاب أحد أقربائهم، وفي يوم آخر تتلف بعض أموالهم... والخلاصة، تأتيهم تنبيهات وتذكيرات الواحدة تلو الأخرى، فإِنْ استيقظوا فما أحسن ذلك، وإِلاّ فسيصيبهم العقاب الإِلهي ويهلكهم.
إِنّ العذاب التدريجي في هذه الحالات يكون لاحتمال أن تهتدي هذه المجموعة، واللّه عزَّ وجلّ لا يريد أن يعامل هؤلاء كالباقين (فإِنّ ربّكم لرؤوف رحيم).
ومن الملفت للنظر في الآيات مورد البحث، ذكرها لأربعة أنواع من العذاب الإِلهي:
الأوّل: الخسف.
الثّاني: العقاب المفاجىء الذي يأتي الإِنسان على حين غرة من أمره.
الثّالث: العذاب الذي يأتي الإِنسان وهو غارق في جمع الأموال وتقلبه في ذلك.
الرّابع: العذاب والعقاب التدريجي.
والمسلم به أنّ نوع العذاب يتناسب ونوع الذنب المقترف، وإِنْ وردت جميعها بخصوص (الذين مكروا السيئات) لعلمنا أنّ أفعال اللّه لا تكون إِلاّ بحكمة وعدل.
وهنا... لم نجد رأياً للمفسّرين - في حدود بحثنا - حول هذا الموضوع، ولكنْ يبدو أنّ النوع الأوّل من العقاب يختص بأُولئك المتآمرين الذين هم في صف الجبارين والمستكبرين كقارون الذي خسف اللّه تعالى به الأرض وجعله عبرة للناس، مع ما كان يتمتع به من قدرة وثروة.
أمّا النوع الثّاني فيخص المتآمرين الغارقين بملذات معاشهم وأهوائهم، فيأتيهم العذاب الإِلهي بغتة وهم لا يشعرون.
والنوع الثّالث يخص عبدة الدنيا المشغولين في دنياهم ليل نهار ليضيفوا ثروة إِلى ثروتهم مهما كانت الوسيلة، حتى وإِنْ كانت بارتكاب الجرائم والجنايات وصولا لما يطمحون له!! فيعذبهم اللّه تعالى وهم على تلك الحالة(1).
وأمّا النوع الرّابع من العذاب فيخص الذين لم يصلوا في طغيانهم ومكرهم وذنوبهم إِلى حيث اللارجعة، فيعذبهم اللّه بالتخويف.
أيْ يحذرهم بإِنزال العذاب الأليم في أطرافهم فإِنْ استيقظوا فهو المطلوب، وإِلاّ فسينزل العذاب عليهم ويهلكهم.
وعلى هذا، فإنّ ذكر الرأفة والرحمة الإِلهية ترتبط بالنوع الرّابع من الذين مكروا السيئات، الذين لم يقطعوا كل علائقهم مع اللّه ولم يخربوا جميع جسور العودة.
﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ وهم يتخوفون بأن أهلك غيرهم فتوقعوا البلاء أو على تنقص شيئا فشيئا حتى يفنوا ﴿فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ حيث لم يعجل النقمة.