لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وأخيراً يشير تعالى إِلى السبب الحقيقي وراء تلك التلوثات، ألا هو عدم الإِيمان بالآخرة: (للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم). فكلّما اقترب الإِنسان من العزيز الحكيم انعكس في روحه نور صفاته العليا من العلم والقدرة والحكمة وابتعد عن الخرافات والبدع والأفعال القبيحة. وكلما ابتعد عنه تعالى غرق بقدر ذلك البعد في ظلمات الجهل والضعف والذلة والقبائح. فالسبب الرئيسي لكل انحراف وقبح وخرافة هو الغفلة عن ذكر اللّه وعن محكمته العادلة في الآخرة، أمّا ذكر اللّه والآخرة فدافع أصيل للإِحساس بالمسؤولية ومحاربة الجهل والخرافة، وعامل قدرة وقوة وعلم للإِنسان. بحوث 1 - لماذا اعتبروا الملائكة بناتاً لله؟ تطالعنا الكثير من آيات القرآن الكريم بأنّ المشركين كانوا يقولون بأنّ الملائكة بنات اللّه جلّ وعلا، أو أنّهم كانوا يعتبرون الملائكة إِناثاً دون نسبتها إِلى اللّه... كما في الآية (19) من سورة الزخرف: (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن اناثاً)، وفي الآية (40) من سورة الإِسراء: (أفأصفاكم ربّكم بالبنين واتخذ من الملائكة إِناثاً). يمكن أن تكون هذه الإِعتقادات بقايا خرافات الأقوام السابقة التي وصلت عرب الجاهلية، أو ربما يحصل هذا الوهم بسبب ستر الملائكة عنهم وحال الإِستتار أكثر ما يختص بحال النساء، ولهذا تعتبر العرب الشمس مؤنثاً مجازياً والقمر مذكراً مجازياً أيضاً، على اعتبار أنّ قرص الشمس لا يمكن للناظر إِليه أن يديم النظر لأنه يستر نفسه بقوة نوره، أمّا قرص القمر فظاهر للعين ويسمح للنظر إِليه مهما طالت المدّة. وثمّة احتمال آخر يذهب إِلى الكناية عن لطافة الملائكة، والإِناث أكثر من الذكور لطافة. وعلى أية حال... فهذه إِحدى ترسبات الخرافات القديمة التي تكلست في مخيلة البشرية حتى وصلت للبعض ممن يعيش في يومنا هذا، ولا تختص هذه الخرافة بقوم دون آخر لأنّنا نلاحظ وجودها في أدبيات عدد من لغات العالم!! فنرى الأديب مثلا حينما يريد وصف جمال امرأة ينعتها بالملائكة، وذاك الفنان الذي يريد أن يعبر عن الملائكة فيجعلها بهيئة النساء، في حين أن الملائكة لا تملك جسماً مادياً حتى يمكننا أن نصفه بالمذكر أو المؤنث. 2 - لماذا شاع وأد البنات في الجاهلية؟ الوأد في واقعه أمرٌ رهيب، لأنّ الفاعل يقوم بسحق كل ما بين جوانحه من عطف ورحمة، ليتمكن من قتل إِنسان بريء ربّما هو من أقرب الأشياء إِليه من نفسه!! والأقبح من ذلك افتخاره بعمله الشنيع هذا!! فأين الفخر من قتل إنسان ضعيف لا يقوى حتى للدفاع عن نفسه؟ بل كيف يدفن الإِنسان فلذة كبده وهي حية؟!! وهذا ليس بالأمر الهيّن، فأيُّ إِنسان ومهما بلغت به الوحشية لا يقدم على هكذا جريمة بشعة من غير أن تكون لها مقدمات إِجتماعية ونفسية واقتصادية عميقة الأثر والتأثير تدعوه لذلك... يقول المؤرخون: إِنّ بداية وقوع هذا العمل القبيح كانت على أثر حرب جرت بين فريقين منهم في ذلك الوقت، فأسر الغالب منهم نساء وبنات المغلوب، وبعد مضي فترة من الزمن تمّ الصلح بينهم فأراد المغلوبون استرجاع أسراهم إِلاّ أنّ بعضاً من الأسيرات ممن تزوجن من رجال القبيلة الغالبة اخترن البقاء مع الأعداء ورفضن الرجوع إِلى قبيلتهن، فصعب الأمر على آبائهن بعد أن أصبحوا محلا للوم والشماتة، حتى أقسم بعضهم أنْ يقتل كل بنت تولد له كي لا تقع مستقبلا أسيرة بيد الأعداء!! ويلاحظ بوضوح ارتكاب أفظع جناية ترتكب تحت ذريعة الدفاع عن الشرف والناموس وحيثية العائلة الكاذبة... فكانت النتيجة: ظهور بدعة وأد البنات القبيحة وانتشارها بين جمع منهم حتى أصبحت سنّة جاهلية، ولفظاعتها فقد أنكرها القرآن الكريم بشدّة بقوله: (وإِذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت)(3). وثمّة احتمال آخر يذهب إِلى دور الطبيعة الإِنتاجية للأولاد الذكور، والنزوع إِلى الطبيعة الإِستهلاكية عند الإِناث، وماله من أثر على الحياة الإِجتماعية والإِقتصادية، فالولد الذكر بالنسبة لهم ذخر مهم ينفعهم في القتال والغارات وفي حفظ الماشية وما شابه ذلك من الفوائد، في حين أنّ البنات لسن كذلك. ومن جانب آخر... فقد سببت الحروب والنزاعات القبلية قتل الكثير من الرجال والأولاد ممّا أدى لإِختلال التوازن في نسبة الإِناث إِلى الذكور، حتى وصل وجود الولد الذكر عزيزاً ودفع الرجل لأن يتباهى بين قومه حين يولد له مولود ذكراً، وينزعج ويتألم عند ولادة البنت... ووصل حالهم لحد (كما يقول عنه بعض المفسّرون) أنّ الرجل في الجاهلية يغيّب نفسه عن داره عند قرب وضع زوجته لئلا تأتيه بنت وهو في الدار!! وإِذا ما أخبروه بأنّ المولود ذكر فيرجع إِلى بيته وبشائر الفرح تتعالى وجنتيه، ولكنّ الويل كل الويل والثبور فيما لو أخبروه بأنّ المولود بنتاً ويمتلىء غيظاً وغضباً(4). وقصّة "الوأد" ملأى بالحوادث المؤلمة... منها: ما روي أنّ رجلا جاء إِلى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) فأعلن إِسلامه، وجاءه يوماً فسأله: إِنّي أذنبت ذنباً عظيماً فهل لي من توبة؟ فقال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): "إِنّ اللّه تواب رحيم"، قال: يا رسول اللّه إِنّ ذنبي عظيم قال: "ويلك مهما كان ذنبك عظيماً فعفو اللّه أعظم منه"، قال: لقد سافرت في الجاهلية سفراً بعيداً وكانت زوجتي حبلى وعندما عدت بعد أربع سنوات استقبلتني زوجتي فرأيت بنتاً في الدار، فقلت لها: ابنة مَنْ هذه؟ قالت: ابنة جارنا. فظننت أنّها سترحل عن دارنا بعد ساعة، فلم تفعل، ثمّ قلت لزوجتي: أصدقيني مَنْ هذه البنت؟ قالت: ألا تذكر أنّي كنت حاملة عندما سافرت، إنّها إبنتك. فنمت تلك الليلة مغتماً، أنام واستيقظ، حتى اقترب وقت الصباح نهضت من فراشي وذهبت إِلى فراش ابنتي فأخرجتها وأيقظتها وطلبت منها أن تصحبني إِلى حائط النخل، فتبعتني حتى اقتربنا من الحائط فأخذت بحفر حفيرة وهي تعينني على ذلك، وعندما إنتهيت من ذلك وضعتها في وسط الحفرة... وهنا فاضت عينا رسول اللّه بالدمع... ثمّ وضعت يدي اليسرى على كتفها وأخذت أهيل التراب عليها بيدي اليمنى، فأخذت تصرخ وتدافع بيديها ورجليها وتقول: أبي ما تصنع بي!!؟ ثمّ أصاب لحيتي بعض التراب فرفعت يدها تمسحه عنها، وأدمت ذلك حتى دفنتها. فقال رسول اللّه وهو يمسح دموعه: "لولا أنْ سبقت رحمة اللّه غضبه لعجل اللّه لك العذاب"(5). وكذلك ما روي في (قيس بن عاصم) أحد أشرف ورؤساء قبيلة بني تميم في الجاهلية، وقد أسلم عند ظهور النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، جاء يوماً إِلى النّبي وقال له: أِنّ آباءنا كانوا يدفنون بناتهم أحياءاً، وقد دفنت أنا (12) بنتاً، وعندما ولدت لي زوجتي البنت الثّالثة عشر أخفت أمرها وادّعت أنّها ماتت عند الولادة، ثمّ أودعتها آخرين، وعندما علمت بذلك بعد مدّة، أخذتها إِلى مكان بعيد ودفنتها حيّة دون أن أعتني ببكائها وتضرعها. فتأذى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من ذلك فقال ودموعه جارية: "من لا يِرحم لا يُرحم" ثمّ التفت إِلى قيس وقال: "إِنّ لك يوماً سيئاً"، فقال قيس: ما أفعل لتكفير ذنبي؟ فقال النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم): "حرر من العبيد بعدد ما وأدت"(6). وروي أيضاً أن (صعصعة بن ناجية) جد الفرزدق الشاعر المعروف، وكان رجلا شريفاً حرّاً فقيل: إنّه كان في الجاهلية يحارب الكثير من العادات القبيحة حتى أنّه اشترى (360) بنتاً من آبائهن كي ينقذهن من القتل، وقد أعطى يوماً دابته مع بعيرين لأب كان يريد قتل ابنته. وقال له الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ذات مرّة (في ما معناه): ما أحسن ما صنعت وأجرك عند اللّه. وقال الفرزدق فخراً بعمل جده: ومنّـا الذي منـع الوائـدات ***** فأحيـا الوئيـد فلم توئـد(7) وسنرى كيف أنّ الإِسلام قد أصم تلك الفواجع العظام، واعتبر للمرأة مكانة ما كانت تحظى بها من قبل على مر العصور. 3 - دور الإِسلام في إِعادة اعتبار المرأة: لم يكن احتقار المرأة مختصاً بعرب الجاهلية، فلم تلق المرأة أدنى درجات الإِحترام والتقدير حتى في أكثر الأُمم تمدناً في ذلك الزمان، وكانت المرأة غالباً ما يتعامل معها باعتبارها بضاعة وليست إِنساناً محترماً، ولكنّ عرب الجاهلية جسدوا تحقير المرأة بأشكال أكثر قباحة ووحشية من غيرهم، حتى أنّهم ما كانوا يدخلونهن في الأنساب كما نقرأ ذلك في الشعر الجاهلي المعروف: بنونـا بنو أبـائـنـا وبـنـاتـنـا ***** بنـوهن أبـنـاء الـرجال الأبـاعد وكانوا أيضاً لا يورثون النساء، ولم يجعلوا لتعدد الزوجات حدّاً، وعملية الزواج أو الطلاق أسهل من شربة الماء عندهم. وعندما ظهر الإِسلام حارب بشدّة هذه المهانة من كافة أبعادها، وبالخصوص مسألة اعتبار ولادة البنت عاراً، حتى وردت الرّوايات الكثيرة التي تؤكّد على أنّ البنت باب من أبواب رحمة اللّه للعائلة. وأولى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ابنته فاطمة الزهراء(عليها السلام) من الإِحترام ما جعل الناس في عجب من أمره، حيث كان (صلى الله عليه وآله وسلم) مع ما يحظى به من شرف ومقام، كان يقبل يد الزهراء(عليها السلام)، وعندما يعود من السفر يذهب إِليها قبل أي أحد. وعندما يريد السفر كان بيت فاطمة الزهراء(عليها السلام) آخر بيت يودّعه. وحينما أُخبر بولادة الزهراء(عليها السلام)، رأى الإِنقباض في وجوه أصحابه فقال على الفور: "ما لكم!! ريحانة أشمها، ورزقها على اللّه عزَّ وجلّ"(8). وفي حديث أنّه(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "نعم الولد البنات، ملطفات، مجهزات، مؤنسات، مفليات"(9). وفي حديث آخر: "مَنْ دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إِلى عياله كان كحامل الصدقة إِلى قوم محاويج، وليبدأ بالإِناث قبل الذكور، فإِنّه مَنْ فرّح ابنته فكأنّما أعتق رقبة من ولد إِسماعيل"(10). فالإِحترام الذي أولاه الإِسلام للمرأة قد أعاد لها شخصيتها الضائعة بين حوالك الجاهلية، وحررها من العادات البالية، وأنهى عصر تحقيرها. وإِن كان غور هذا الموضوع يستلزم التفصيل فسنتطرق إِلى ذلك في تفسيرنا للآيات المناسبة له، ولكنّ ما يحز في النفوس ولا يمكن السكوت عنه ما يشاهد في كثير من مجتمعاتنا الإِسلامية من آثار لنفس ذلك التوجه الجاهلي الموبوء، فإِلى الآن نرى الكثير من العوائل تفرح وتسر عندما يأتيها مولود ذكر، وتتأسف وتتأفف عندما تكون المولودة بنتاً!! وعلى أقل التقادير ترجح ولادة الولد على البنت!!. من الممكن أن تكون الظروف الخاصة اقتصادياً واجتماعياً، المرتبطة بوضع المرأة في مجتمعاتنا، عاملا على وجود عادات وحالات خاطئة، إِلاّ أنّه ينبغي على المؤمنين المخلصين مكافحة هذا النمط من التفكير واقتلاع جذوره الإِجتماعية والإِقتصادية، فالإِسلام لا يقبل من أتباعه بعد (14) قرن العود إِلى أفكار الجاهلية المقيتة... فهذا السلوك في واقعه نوع من الجاهلية الثّانية. ولا ينبغي أن تأخذنا التصورات السارحة فنرى عن بعد أن المرأة قد نالت مناها في عالم الغرب وأنّها تحظى من الإِحترام والتحرر ما تحسد عليه!! فالحياة العمليه في الغرب تؤكّد بما لا يقبل الشك أنّ المرأة هناك محتقرة، وقد جعلت لعبة مبتذلة ووسيلة رخيصة لإِشباع الشهوات أو وسيلة إِعلان للبضائع والمنتوجات(11). ﴿لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ﴾ الصفة السوء وهي الحاجة إلى الأولاد ﴿وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ﴾ كالتفرد والغنى والجود ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.