... وكأنّ الآية التالية تجيب على ذلك: (تالله لقد أرسلنا إِلى أُمم من قبلك فزَيَّن لهم الشيطان أعمالهم).
نعم، فللشيطان وساوس يتمكن من خلالها أن يصور أقبح الأعمال وأشنعها جميلة في نظر البعض بحيث يعتبرها مجالا للتفاخر!! كما كانوا يعتبرون وأد البنات شرفاً وفخراً وحفظاً لناموس وكرامة القبيلة!! ممّا يحدو ببعض المغفلين لأن يتفاخر بالقول: لقد دفنتُ ابنتي اليوم بيدي كي لا تقع غداً أسيرة في يد الأعداء!!
فإنّ كان الشيطان يزيّن أقبح الأعمال مثل وأد البنات بنظر بعض الناس بهذه الحال، فحال بقية الأعمال معلوم.
ونرى في يومنا الكثير من أعمال الناس التي سيطر عليها زخرف الشيطان، فراحوا ينعتون سرقاتهم وجرائمهم بعبارات تبدو مقبولة فيخفون حقيقتها في طي زخرف القول.
ثمّ يضيف القرآن: إِن مشركي اليوم على سنّة من سبقهم من الماضين من الذين زينوا أعمالهم بزخرف ما أوحى لهم الشيطان (فهو وليهم اليوم)، يستفيدون ممّا يعطيهم إِيّاه.
ولهذا... (ولهم عذاب أليم).
وللمفسّرين بيانات كثيرة في تفسير (فهو وليهم اليوم) ولعل أوضحها ما قلناه أعلاه، أيْ: إنّها إِشارة إِلى أنّ المشركين في عصر الجاهلية إِنّما هم على خطى الأُمم المنحرفة السابقة، والشيطان رائد مسيرتهم والموجه لهم كما كان للماضين(2).
ويحتمل تفسيرها أيضاً بأنّ المقصود من (فهو وليهم اليوم) أنّه لا تزال بقايا الأمم المنحرفة السابقة موجودة إِلى اليوم، ولا زالوا يعملون بطريقتهم المنحرفة، والشيطان وليهم كما كان سابقاً.
﴿تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا﴾ رسلا ﴿إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾ القبيحة فأصروا عليها ﴿فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ﴾ متولي أمورهم في الدنيا أو ناصرهم في القيامة ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ في القيامة.