(وإن عزموا الطلاق فإنّ الله سميعٌ عليمٌ) أي فلا مانع من ذلك مع توفّر الشروط اللازمة.
وفيما لو أهمل الزوج كلا الطريقين ولم يختر أحدهما، فلم يرجع إلى الحياة الزوجية السليمة، ولم يطلّق.
ففي هذه الصورة يتدخّل حاكم الشرع ويأمر بالقاء الزوج في السجن، ويشدد عليه حتّى يختار أحدهما، وينقذ الزوجة من حالتها المعلّقة.
ينبغي التأكيد هنا على أنّ الإسلام، وإن لم يلغ حكم الإيلاء نهائياً، فقد أزال آثار هذه الظاهرة، لأنّه لم يسمح للرجل أن ينفصل عن زوجته بالإيلاء.
وتعيينه مدّة للذين يؤلون من نسائهم لا يعني إلغاء حقّ من حقوق الزوجيّة، لأنّ حقّ المرأة على زوجها- في إطار الوجوب الشرعي- الوطء كلّ أربعة أشهر، هذا طبعاً في حالة عدم انجرار المرأة إلى الذنب على أثر طول المدّة، وإلاَّ يجب أن تقلّل المدّةإلى مقدار تأمين الحاجة الجنسية وخاصّة بالنسبة للمرأة الشابّة التي يخشىانحرافها.
بحوث
1- الإيلاء حكم استثنائي
تقدّم الحديث في الآيات السّابقة عن القسم اللّغو، وقلنا أنّ كلّ قسم على فعل ما يخالف الشّريعة المقدّسة فهو من مصاديق اللّغو في القسم، فلا إشكال من نقضه، وعلى ذلك فالقسم على ترك الواجبات الزوجيّة لا أثر له إطلاقاً، في حين أنّ الإسلام قد جعل له كفّارة(2) (وهي كفّارة نقض القسم واليمين المذكورة في الأبحاث السّابقة) وهذا في الحقيقة عبارة عن عقوبة لبعض الرجال الّذين يتوسّلون بهذه الذريعة لتضييع حقوق الزّوجة حتّى لا يقوموا بتكرار هذا العمل مرّةاُخرى.
2- الإيلاء في حكم الإسلام والغرب
في اُوروبا نلاحظ وجود ما يشبه الإيلاء ويُطلقون عليه الإنفصال البدني وتوضيحه: أنه بما أن الطلاق كان محضوراً في الديانة المسيحية لذا قام الغربيّين بعد الثورة الفرنسيّة الكبرى باستخدام ظاهرة الإنفصال الجسمي بين الزوجين باعتبارها إحدى سبل الطّلاق، وذلك بأن يعيش الرجل في مكان والمرأة في مكان آخر عند عدم وجود الوفاق بينهما، وتبقى كلّ الحقوق الزوجيّة محفوظة سوى نفقة الرجل وتمكين المرأة، فالرجل لا يستطيع أن يتزوّج بإمرأة اُخرى ولا المرأة كذلك على أن لا تتجاوز مدّة الإنفصال ثلاث سنوات يجب على الزوجين بعدها أن يعودا إلى حياتهم الزوجيّة(3)، فالبرّغم من أنّ القانون الغربي سمح للزّوجين أن ينفصلا في ثلاث سنين، إلاّ أنّ الإسلام لم يسمح لهذا الإنفصال أن يستمر أكثر من أربعة أشهر واستمرار هذه المدّة جائز حتّى مع عدم القسم، وبعد هذه المدّة يجب على الرجل أن يعيّن أمره، فإذا أراد أن يماطل أكثر من هذه المدّة فإنّ الحكومة الإسلاميّه تستدعيه وتُرغمه على اتّخاذ قراره النّهائي.
3- الصّفات الإلهيّة في ختام كلّ آية
ممّا يلفت النّظر أنّ الكثير من آيات القرآن تختتم أبحاثها بصفات الله تعالى وهذه الصفات لها ارتباط مباشر بمحتوى الآيات دائماً، ومن جملة هذه الآيات ما نحن فيه، فعندما كان الحديث عن الإيلاء والتصميم على نقض هذا القسم الممنوع تذكر الآية بعدها جملة (غفور رحيم) وهي إشارة إلى أنّ هذا السلوك السليم سبب لغفران الله تعالى وشمول رحمته لهؤلاء الأشخاص، وعندما كان الحديث يدور حول التصميم على الطّلاق كانت العبارة (سميع عليم) يعني أنّ الله تعالى يسمع كلامكما ومطّلع على دوافع الطّلاق والفُرقة وسوف يجازيكم وفقاً لهذا العمل.
﴿وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ﴾ بطلاقهم ﴿عَلِيمٌ﴾ بضمائرهم.