لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وبعد حديثه عن الأنعام وألبانها يتناول القرآن ذكر النعم النباتية، فيقول: (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً إِنّ في ذلك لآية لقوم يعقلون). "السكر" لغةً، له معاني مختلفة، إِلاّ أنّه هنا بمعنى: المسكرات والمشروبات الكحولية (وهو المعنى المشهور من تلك المعاني). وممّا لا يقبل الشك أنّ القرآن لا يجيز في هذه الآية صنع المسكرات من التمر والعنب أبداً، وإِنّما جاء ذكر المسكرات هنا لمقابلته ب- (رزقاً حسناً) وكإِشارة صغير لتحريم الخمر ونبذه. وعلى هذا ... فلا حاجة للقول بأنّ هذه الآية نزلت قبل تحريم الخمر أو أنّها تشير إِلى تحليله، بل حقيقة التعبير القرآني يشير إِلى التحريم، ولعل الآية كانت تمثل الإِنذار الأوّل للتحريم. وقد تبدو العبارة وكأنّها جملة اعتراضية بين قوسين داخل الآية القرآنية. بحوث 1 - كيف يتكوّن اللبن؟ يقول القرآن الكريم في ذلك كما في الآيات أعلاه: إنّه يخرج من بين "فرث" - الأغذية المهضومة داخل المعدة - و"دم". وقد أثبت ذلك فيزيولوجياً: حيث أنّه عندما يتمّ هضم الغذاء داخل المعدة ويكون جاهزاً للإِمتصاص ينتشر داخل المعدة والأمعاء بشكل واسع وأمام الملايين من العروق الشعيرية، فتمتص منه العناصر المفيدة المطلوبة لتوصلها إِلى تلك الشجرة ذات الجذور التي تنتهي عروقها عند عروق الثدي. عندما تتناول المرأة الحامل الغذاء تنتقل عصارته إِلى الدم الذي يجري في عروقها حتى يصل نهاية العروق المجاورة لعروق الجنين ليتغذى الجنين بهذه الطريقة ما دام في بطن أمه، وعندما ينفصل عن أُمّه يتحول طريق تغذيته إِلى الثدي ... وهنا لا تستطيع الأُم أن تصل دمها إِلى دم ولدها، ولذلك ينبغي تصفية الغذاء وتغيير حالته بما ينسجم والوضع الجديد للطفل، وهنا ... يتكون اللبن من بين فرث ودم، أيْ: من بين ما تتناوله الأم الذي يتحول إِلى فرث وما ينتقل من مواده إِلى الدم ليتكون منه اللبن. فاللبن في حقيقة ... شيء وسط بين الفرث والدم، فلا هو دم مصفى ولا هو غذاء مهضوم، وهو أعلى من الثّاني ودون الأوّل!! علماً بأنّ الثدي يستفيد من الحوامض الأمينية المخزونة في البدن فقط في صناعة المواد البروتينية للبن. وثمّة مكونات أُخرى للبن لا توجد في الدم وإِنّما تنتجها غدد خاصّة في الثدي (كالكازوئين). والبعض الآخر من المكونات يأتي من ترشح بلازما الدم مباشرة: ويدخل في تكوين اللبن من دون أي تغيير (كالفيتامينات وملح الطعام والفوسفات). أمّا سكر اللاكتوز الموجود في اللبن فيؤخذ من السكر الموجود في الدم بعد أن تجري عليه الغدد الخاصّة في الثدي التغييرات اللازمة لتحويله إِلى نوع جديد من السكر. ومع أنّ إِنتاج اللبن يكون عن طريق جذب المواد الغذائية بواسطة الدم، ومن خلال الإِرتباط المباشر بين الدم وغدد الثدي، إِلاّ أنّنا لا نلاحظ أيَّ أثر لرائحة الفرث أو لون الدم فيه، بل يبدأ اللبن بالترشح من ثدي الأم بلون جديد ورائحة خاصّة به. ومن لطيف ما ينقل عن العلماء المتخصصين أنّ إِنتاج لتر واحد من اللبن في الثدي يحتاج بما لا يقل عن عبور (500) لتر من الدم خلال الثدي ليستطيع من امتصاص المواد اللازمة لإِنتاج اللبن، كما يلزم لإِنتاج لتر واحد من الدم عبور مواد غذائية كثيرة من الأمعاء ... وبهذا يتّضح لنا معنى (من بين فرث ودم)كاملا(1). 2 - أهم ما في اللبن من مواد غذائية اللبن مليء بالمواد الغذائية المختلفة التي تشكل مع بعضها مجموعة عذائية كاملة. فالمواد المعدنية في اللبن، عبارة عن: الصوديوم، البوتاسيوم، الكالسيوم، المغنيسيوم، النحاس، قليل من الحديد بالإِضافة إِلى الفسفور والكلور وغيرها. ويوجد في اللبن كذلك غاز الأوكسجين وحامض الكاربونيك. أمّا المواد السكرية فموجودة بكمية كافية على شكل (لاكتوز). والفيتامينات المحلولة في اللبن عبارة عن: فيتامين ب، پ، آ، د. وقد أثبت العلم الحديث أنّ الحيوان الذي يتغذى بشكل جيد يكون لبنه حاوياً لكافة أنواع الفيتامينات، وأصبح بديهياً أنّ اللبن الطازج يعتبر غذاءً كاملا. ولا يمكن لنا تفصيل ذلك في هذا البحث المختصر. ولعل ما روي عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من قوله: "ليس يجزي مكان الطعام والشراب إِلاّ اللبن" إِشارة لهذا السبب. ونقرأ في روايات أُخرى عن اللبن أنّه يزيد في عقل الإِنسان، ويحد النظر، ويرفع النسيان، ويقوي القلب والظهر (كما أصبح معلوماً أن هذه الآثار لها إرتباط وثيق بما في اللبن من مواد حياتية)(2). 3 - اللبن ... غذاء خالص وسهل الهضم لقد أكّدت الآيات أعلاه على ميزتين مهمتين للبن - كونه "خالصاً"، و"سائغاً" أي لذيذاً وسريع الهضم - وكما هو المعروف عن اللبن من كونه غذاءً كثير الفائدة على الرغم من قلّة حجمه. و"خالص" أي خال من المواد الزائدة وبذات الوقت فهو سهل الهضم بالشكل الذي جُعِلَ ملائماً لأي إِنسان وعلى مختلف الأعمار - منذ الطفولة حتى الشيخوخة - ولهذا يعتمده المرضى كغذاء ملائم ومفيد ومقبول، وبالخصوص ما له من أثر فعال بالنسبة لنمو العظام، ولهذا يوصى بالإِكثار من تناوله في حالات كسور العظام وما شابهها. ومن جملة معاني الخلوص هو (الربط)، ولعل البعض اعتمد على هذا المعنى فيما جاء في التعبير القرآني "خالصاً"، واعتبارهم من كون "خالصاً" إِشارة إِلى تأثير اللبن الخالص في بناء وربط العظام. وكذا نجد في الإحكام الإِسلامية الواردة حول الرضاعة ما يشير إِلى هذا المعنى بوضوح. ويقول الفقهاء: إِنّ الطفل لو رضع من غير أُمّه حتى اشتدت عظامه وزاد لحمه فإِنّ مرضعته ستحرم عليه (وما يتبع ذلك في مَنْ يعود إِليه النسب). ويقولون أيضاً: إِن (15) رضاعة متوالية، أو رضاعة يوم وليلة متصلة، يؤدي إِلى هذه الحرمة أيضاً. ولو جمعنا القولين، ألا ينتج أن التغذية باللبن يوم وليلة لها أثر في تقوية العظام وزيادة اللحم!!؟ وينبغي الإِلتفات إِلى أن التوجيهات الإِسلامية أكّدت كثيراً على لبن "اللباء" هو أو ما ينزل من اللبن بعد الولادة، حتى لتقول بعض كتب الفقه إِنّ حياة الطفل مرهونة به، ولهذا اعتبر إِعطاء الطفل من حليب اللباء واجباً(3). ولعل ما في الآية (رقم 7) من سورة القصص حول موسى(عليه السلام) يتعلق بهذا الموضوع أيضاً (وأوحينا إِلى أُمّ موسى أن أرضعيه فإِذا خفت عليه فألقيه في اليم). ﴿وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ﴾ خبر محذوف أي ثمر صفته ﴿ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا﴾ مصدر سمي به الخمر وفيه إشعار بتحريمها بوصف قسيمها بالحسن ﴿وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ كالتمر والزبيب والدبس والخل فلا تكون هي حسنة فليست بحلال فالآية جامعة بين العتاب والمنة، وقيل السكر الأشربة الحلال والرزق الحسن المأكول اللذيذ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.