لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ويواصل القرآن الكريم استدلاله في الآية التالية من خلال بيان أنّ مسألة الرزق ليست بيد الإِنسان وإِنّما... (واللّه فضل بعضكم على بعض في الرزق) فاصحاب الثروة والطول غير مستعدين لإِعطاء عبيدهم منها ومشاركتهم فيها خوفاً أن يكونوا معهم على قدم المساواة: (فما الذين فضلوا بردي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء). واحتمل بعض المفسّرين أنّ الآية تشير إِلى بعض أعمال المشركين الناتجة عن حماقتهم، حينما كانوا يجعلون لآلهتهم من الأصنام سهماً من مواشيهم ومحاصيلهم الزراعية، بالرغم من عدم وجود أيّ أثر لتلك الأحجار والأخشاب على حياتهم!! بل كان الأُولى بهم لو التفتوا إِلى خدمهم وعبيدهم ليعطوهم شيئاً جزاء ما يقدمونه لهم من خدمات ليل نهار!!... هل التفاضل في الرّزق من العدالة؟!! ... وهنا يواجهنا سؤال يطرح نفسه: هل أنّ إِيجاد التفاوت والإِختلاف في الأرزاق بين الناس، ينسجم مع عدالة اللّه عزَّ وجلّ ومساواته بين خلقه، التي ينبغي أن تحكم نظام المجتمع البشري؟ لأجل الإِجابة، ينبغي الإِلتفات إِلى الملاحظتين التاليتين: 1 - إِنّ الإِختلاف الموجود بين البشر في جانب الموارد المادية يرتبط بالتباين الناشىء بين الناس جراء اختلاف استعدادتهم وقابليتهم من واحد لآخر. والتفاوت في الإِستعدادين الجسمي والروحي يستلزم الإِختلاف في مقدار ونوعية الفعالية الإِقتصادية للأفراد، ممّا يؤدي إِلى زيادة وارد بعض وقلّة وارد البعض الآخر. ولا شك أنّ بعض الحوادث والاتفاقات لها دخل في اشراء بعض الناس، الاّ أنّه لا يمكن أن نعوّل عليها عند البحث لأنّها ليست أكثر من استثناء، أمّا الضابط في أكثر الحالات فهو التفاوت الموجود في كمية وكيفية السعي (ومن الطبيعي أن بحثنا يتناول المجتمع السليم والبعيد عن الظلم والإِستغلال، ولا نقصد به تلك المجتمعات المنحرفة التي تركت قوانين التكوين والنظام الإِنساني جانباً وانزلقت في طرق الظلم والإِستغلال). وقد يساورنا التعجب حينما نجد بعض الفاقدين لأي مؤهل أو استعداد يتمتعون برزق وافر وجيد، ولكننا عندما نتجرّد عن الحكم من خلال الظواهر ونتوغل في أعماق مميزات ذلك البعض جسمياً ونفسياً وأخلاقياً، نجد أنّهم يتمتعون بنقاط قوة أوصلتهم إِلى ذلك (ونكرر القول بأنّ بحثنا ضمن إِطار مجتمع سليم خال من الإِستغلال). وعلى أية حال ... فالتفاوت بين دخل الأفراد ينبع من التفاوت بالإِستعدادات، وهو من المواهب والنعم الإِلهية أيضاً، وإِنْ أمكن أنْ يكون بعض ذلك اكتسابياً، فالبعض الآخر غير اكتسابي قطعاً. فإِذِنْ وجود التفاوت في الأرزاق أمر غير قابل للإِنكار من الناحية الإِقتصادية، ويتمّ ذلك حتى داخل المجتمعات السليمة... إِلاّ إِذا افترضنا وجود مجموعة أفراد كلهم في هيئة واحدة من حيث: الشكل، اللون، الإِستعداد ولا يعتريهم أيَّ اختلاف!! وإِذا ما افترضنا حدوث ذلك فإِنّه بداية المشاكل والويلات!! 2 - لو نظرنا إِلى بدن إِنسان ما، أو إِلى هيكل شجرة أو باقة ورد، فهل سنجد التساوي بين أجزاء كل منها ومن جميع الجهات؟ وهل أنّ قدرة ومقاومة واستعداد جذور الشجرة مساوية لقدرة ومقاومة واستعداد أوراق الوردة الظريفة؟ وهل أن عظم قدم الإِنسان لا يختلف عن شبكية عينه؟ وَهل من الصواب أن نعتبر كل ذلك شيئاً واحداً؟!! ولو تركنا الشعارات الكاذبة والفارغة من أيِّ معنى، وافترضنا تساوي الناس من جميع النواحي، فنملأ الأرض بخمسة مليارات من الأفراد ذوي: الشكل الواحد، الذوق الواحد، الفكر الواحد، بل والمتحدين في كل شيء كعلبة السجائر... فهل نستطيع أن نضمن أنّ حياة هؤلاء ستكون جيدة؟ ستكون الإِجابة بالنفي قطعاً، وسيحرق الجميع بنار التشابه المفرط والرتيب الكئيب، لأنّ الكل يتحرك في جهة واحدة، والكل يريد شيئاً واحداً، ويحبون غذاءاً واحداً، ولا يرغبون إِلاّ بعمل واحد!! وبديهياً ستكون حياة كهذه سريعة الإِنقراض، ولو افترض لها الدوام، فإِنّها ستكون متعبة ورتيبة وفاقدة لكل روح. وبعبارة أشمل سوف لا يبعدها عن الموت بون شاسع. وعلى هذا فحكمة وجود التفاوت في الإِستعدادات المستتبعة لهذا التفاوت قد ألزمتها ضرورة حفظ النظام الإِجتماعي، وليكون التفاوت في الإِستعدادات دافعاً لتربية وإِنماء الإِستعدادات المختلفة للأفراد. ولا يمكن للشعارات الكاذبة أن تقف في وجه هذه الحقيقة التي يفرضها الواقع الموضوعي أبداً. ولا ينبغي أن نفهم من هذا الكلام أنّنا نريد منه إِيجاد مجتمع طبقي أو نظام استغلالي واستعماري، لا. أبداً ... وإِنّما نقصد بالإِختلافات التفاوت الطبيعي بين الأفراد (وليس المصطنع) الذي يعاضد بعضه الآخر ويكمله (وليس الذي يكون حجر عثرة في طريق تقدم الأفراد ويدعو إِلى التجاوز والتعدي على الحقوق). إِنّ الإِختلاف الطبقي (والمقصود من الطبقات هنا: ذلك المفهوم الإِصطلاحي الذي يعني وجود طبقة مستغِلة وأُخرى مستغَلة) لا ينسجم مع نظام الخليقة أبداً، ولكنّ الموافق لنظام الخليقة هو ذلك التفاوت في الإِستعدادات والسعي وبذل الجهد، والفرق بين الأمرين كالفرق بين السماء والأرض - فتأمل. وبعبارة أُخرى، إِن الإِختلاف في الإِستعدادات ينبغي أن يوظف لخدمة مسيرة البناء، كما في اختلاف طبيعة أعضاء بدن الإِنسان أو أجزاء الوردة، فمع تفاوتها إِلاّ أنّها ليست متزاحمة، بل إنّ البعض يعاضد البعض الآخر وصولا للعمل التام على أكمل وجه. وخلاصة القول: ينبغي أن لا يكون وجود التفاوت والإِختلاف في الإِستعدادات وفي الدخل اليومي للأفراد دافعاً لسوء الإِستفادة وذلك بتشكيل مجتمع طبقي(3). ولهذا يقول القرآن الكريم في ذيل الآية مورد البحث (أفبنعمة اللّه يجحدون). وذلك إِشارة إِلى أن هذه الإِختلافات في حالتها الطبيعية (وليس الظالمة المصطنعة) إِنّما هي من النعم الإِلهية التي أوجدها لحفظ النظام الإِجتماعي البشري. وتبدأ الآية الأخيرة من الآيات مورد البحث بلفظ الجلالة "اللّه" كما كان في الآيتين السابقتين، ولتتحدث عن النعم الإِلهية في إِيجاد القوى البشرية، ولتتحدث عن الأرزاق الطيبة أيضاً تكميلا للحلقات الثلاثة من النعم المذكورة في آخر ثلاث آيات، حيث استهلت البحث بنظام الحياة والموت، ثمّ التفاوت في الأرزاق والإِستعدادات الكاشف لنظام (تنوع الحياة) لتنتهي بالآية مورد البحث، حيث النظر إِلى نظام تكثير النسل البشريو ... الأرزاق الطيبة. ﴿وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ﴾ فأغنى بعضا وأفقر بعضا ﴿فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ﴾ من الموالي ﴿بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ بجاعلي ما رزقناهم رزقا لمماليكهم أي لم يرزقوهم وإنما ينفقون عليهم رزقهم الذي جعله الله عندهم ﴿فَهُمْ فِيهِ﴾ فالموالي والمماليك في الرزق ﴿سَوَاء﴾ في أنه من الله تعالى أو معناه فما هم بجاعلي ما رزقناهم شركة بينهم وبين مماليكهم حتى يتساووا فيه ولم يرضوا بذلك وهم يشركون عبيدي معي في الإلهية ﴿أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ﴾ حيث يشركون به غيره وقرىء بالتاء.