لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير حريم الزّواج أو العدّة: كان الكلام في الآيه السّابقة عن الطّلاق، وهنا تذكر الآية بعض أحكام الطّلاق وما يتعلّق به حيث ذكرت خمسة أحكام له في هذه الآية. في البداية ذكرت الآية عدّة الطّلاق (والمطّلقات يتربّصن في أنفسهن ثلاثة قروء). (قروء) جمع (قُرء) تُطلق على الحيض وعلى النقاء منه، ويُمكن الإستفادة من كلا هذين المعنيين مفهوماً كليّاً يجمع بينهما، وهو الإنتقال من حالة إلى حالة اُخرى ويرى "الرّاغب" في المفردات أنّ "القرء" في الحقيقة هي كلمة يُراد منها الإنتقال من حالة الحيض إلى الطّهر، وبما أنّ كلا هذين العنوانين مأخوذان في معنى الكلمة، فتُستعمل أحياناً بمعنى الحيض واُخرى بمعنى الطّهر، ويُستفاد من بعض الرّوايات وكثير من كتب اللّغة أنّ القُرء تعني الجمع بين الحالتين، وبما أنّ حالة الطّهر يجتمع في المرأة مع وجود دم الحيض في رحمها فتطلق هذه المفردة على الطّهر وعلى كلّ حال فقد ورد التّصريح في الروايات أنّ المقصود بالقروء الثلاثة في الآية أن تطهر المرأة ثلاث مرّات من دم الحيض(1). وبما أنّ الطّلاق يُشترط فيه أن تكون المرأة في حالة الطّهر الّذي لم يجامعها زوجها فيه فيُحسب ذلك الطّهر مرّة واحدة، وبعد أن ترى المرأة دم الحيض مرّة وتطهر منه حينئذ تتم عدّتها بمجرّد أن ينتهي الطّهر الثالث وتشرع ولو للحظة في العادة، فيجوز لها حينئذ الزّواج، ومضافاً إلى الروايات في هذا المجال يُمكن استنباط هذه الحقيقة من نفس الآية مورد البحث لأنّ: أوّلاً: (قُرء) تستبطن جمعان: قروء وأقراء، وما كان جمعه قروء فهو طُهر، وما كان جمعه أقراء فهو بمعنى الحيض(2). ثانياً: القُرء في اللّغة بمعنى الجمع، كما تقدّم وهي أنسب لحالة الطّهر، لأنّ الدم يتجمّع في هذه الحالة في الرّحم بينما يخرج ويتفرّق عند العادة الشهريّة(3). الحكم الثاني المستفاد من هذه الآية هو قوله تعالى (ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كنّ يؤمنّ بالله واليوم الآخر). الإسلام قرّر أن تكون المرأة بنفسها هي المرجع في معرفة بداية العدّة ونهايتها حيث إنّ المرأة نفسها أعلم بذلك من الآخرين، وفي الرّواية عن الإمام الصّادق(عليه السلام)في تفسير الآية محلّ البحث قال: "قد فوّض الله إلى النساء ثلاثة أشياء: الحيض والطّهر والحمل"(4). ويمكن أن يُستفاد من الآية هذا المعنى أيضاً، لأنّ الآية تقول (ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهنّ) ويخبرن بخلاف الواقع، وهذا يعني أن كلامهنّ مقبول. وجملة (ما خلق الله في أرحامهنّ) كما ذهب إليه جماعة من المفسّرين يمكن أن يراد بها معنيان: (الجنين) و (العادةالشهريّة) لأنّ كلا هذين المعنيين قد جعلهما الله في أرحام النساء أي يجب على المرأة أن لا تكتم حملها وتدّعي العادة الشهريّة بهدف تقليل مدّة العدّة (لأنّ عدّة الحامل وضع حملها) وهكذا يجب عليها أن لا تخفي وضع حيضها وتبيّن خلاف الواقع، ولا يبعد استفادة كلا هذين المعنيين من العبارة أعلاه. الحكم الثالث المستفاد من الآية هو أنّ للزّوج حقّ الرّجوع إلى زوجته في عدّة الطّلاق الرّجعي، فتقول الآية: (وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك إن أرادوا إصلاحاً)(5). وبهذا يستطيع الزّوج استئناف علاقته الزوجية بدون تشريفات خاصّة إذا كانت المرأة في عدّة الطّلاق الرّجعي، فإذا قصد الرّجوع يتحصّل بمجرّد كلمة أو عمل يصدر منه بهذا القصد، وجملة: (إن أرادوا إصلاحاً) في الحقيقة هي لبيان أنّ هدف الرّجوع يجب أن يكون بنيّة الإصلاح لا كما كان عليه الحال في العصر الجاهلي من أنّ الزّوج يستخدم هذا الحق لغرض الإضرار بالزّوجة حيث يتركها في حالة معلّقة بين الزّواج والطّلاق. فهذا الحقّ يكون للزّوج في حالة إذا كان نادماً واقعاً وأراد أن يستأنف علاقته الزّوجيّة بجديّة، ولم يكن هدفه الإضرار بالزّوجة. ضمناً يُستفاد ممّا ورد في ذيل الآية من مسألة الرّجوع هو أنّ حكم العدّة والإهتمام بحساب أيّامها يتعلّق بهذه الطائفة من النساء، وبعبارة اُخرى أنّ الآية تتحدّث بشكل عام عن الطّلاق الرّجعي ولهذا فلا مانع من أن تكون بعض أقسام الطّلاق بدون عدّة أصلاً. ثمّ تبيّن الآية حكماً رابعاً وتقول: (ولهنّ مثل الّذي عليهنَّ بالمعروف وللرّجال عليهنّ درجة). يقول الطبرسي في مجمع البيان أنّه يستفاد من هذه العبارة العجيبة والجامعة فوائد كثيرة جدّاً(6)، فهي قد جرّت البحث إلى مسائل أهم بكثير من الطّلاق والعدّة، وقرّرت مجموعة من الحقوق المتبادلة بين الرّجال والنساء فتقول: كما أنّ للرّجال حقوقاً على النساء، فكذلك للنساء حقوق على الرّجال أيضاً، فيجب عليهم مراعاتها، لأنّ الإسلام اهتمّ بالحقوق بصورة متعادلة ومتقابلة ولم يتحيّز إلى أحد الطّرفين. وكلمة (بالمعروف) التي تأتي بمعنى الأعمال الحسنة المعقولة والمنطقيّة تكرّرت في هذه السلسلة من الآيات اثنا عشر مرّة (من الآية مورد البحث إلى الآية 241) كيما تحذّر النساء والرّجال من عاقبة سوء الاستفادة من حقوق الطّرف المقابل، وعليهم إحترام هذه الحقوق والإستفادة منها في تحكيم العلاقة الزوجيّة وتحصيل رضا الله تعالى. جملة (وللرّجال عليهنّ درجة) تكمّل القاعدة السابقة في الحقوق المتقابلة بين الرّجل والمرأة، وفي الواقع أنّ مفهومها هو أنّ مسألة العدالة بين الرّجل والمرأة لا تكون بالضّرورة بمعنى التساوي في الحقوق وأن يكونا في عرض واحد، فهل يلزم أن يكون الجنسان متساويين تماماً في الواجبات والحقوق؟ لو أخذنا بنظر الإعتبار الإختلافات الكبيرة بين الجنسين على صعيد القوى الجسميّة والروحيّة لاتّضح الجواب عن السؤال. المرأة بطبيعة مسؤوليتها الحسّاسة في إنجاب الأبناء وتربيتهم تتمتّع بمقدار أوفر من العواطف والمشاعر والإحساسات، في حين أنّ الرجل وطبقاً لهذا القانون اُنيطت به مسؤولية الواجبات الإجتماعيّة التي تستلزم قوّة الفكر والإبتعاد عن العواطف والأحاسيس الشخصيّة أكثر، ولو أردنا إقامة العدالة فيجب أن نضع الوظائف الإجتماعيّة التي تحتاج إلى تفكّر وتحمّل أكثر بعهدة الرّجال، والوظائف والمسؤوليّات التي تحتاج إلى عواطف وإحساسات أكثر بعهدة النّساء، ولهذا السبب كانت إدارة الاُسرة بعهدة الرّجل ومقام المعاونة بعهدة المرأة، وعلى أيّ حال فلا يكون هذا مانعاً من تصدّي المرأة للمسؤوليّات الإجتماعيّة المتوائمة مع قدراتها الجسميّة وملكاتها البيولوجيّة فتؤدّي تلك الوظائف والمسؤوليّات إلى جانب أداء وظيفة الاُمومة في الاُسرة. وكذلك لايكون هذا التفاوت مانعاً من تفوّق بعض النّساء من الجهات المعنويّة والعلميّة والتقوائيّة على كثير من الرّجال. فما نرى من إصرار بعض المثقّفين على مقولة التساوي بين الجنسين في جميع الاُمور هو إصرار لا تؤيّده الحقائق على أرض الواقع حيث ينكرون في دعواهم هذه الثّوابت العلميّة في هذا المجال، فحتّى في المجتمعات التي تنادي بالمساواة بين الجنسين في مختلف المجالات نشاهد عملاً بوناً شاسعاً مع نداءاتهم، فمثلاً الإدارة السياسيّة والعسكريّة لجميع المجتمعات البشريّة هي في عهدة الرّجال (إلاّ في موارد استثنائيّة) حيث يُرى هذا المعنى أيضاً في المجتمعات الغربيّة التي ترفع شعار المساواة دائماً. وعلى كلّ حال، فالحقوق التي يختّص بها الرّجال مثل حقّ الطّلاق أو الرّجوع في العدّة أو القضاء (إلاّ في موارد خاصّة اُعطي فيها حقّ الطّلاق للزّوجة أو حاكم الشرع) ترتكز على هذا الأساس ونتيجة مباشرة لهذه الحقائق العمليّة. وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ جملة: (للرّجال عليهنّ درجة) ناظرة إلى مسألة الرّجوع في عدّة الطّلاق فقط(7)، ولكن من الواضح إنّ هذا التفسير لا يتوائم وظاهر الآية، لأنّ الآية ذكرت قبل ذلك قانوناً كليّاً حول حقوق المرأة ووجوب رعاية العدالة بجملة (ولهنّ مثل الّذي عليهنَّ بالمعروف) ثمّ أوردت العبارة مورد البحث بشكل قانون كلّي آخر بعد ذلك. وأخيراً تقول الآية: (والله عزيز حكيم) وهذا إشارة إلى ما يرد في هذا المجال من إشكالات وتساؤلات وأنّ الحكمة الإلهيّة والتدبير الرّباني يستوجبان أن يكون لكلّ شخص في المجتمع وظائف وحقوق معيّنة من قبل قانون الخلقة ويتناسب مع قدراته وقابليّاته الجسميّة والرّوحيّة، وبذلك فإنّ الحكمة الإلهيّة تستوجب أن تكون للمرأة في مقابل الوظائف والمسؤوليّات الملقاة على عاتقها حقوقاً مسلّمة كيما يكون هناك تعادل بين الوظيفة والحقّ. بحوث 1- العدّة وسيلة للعودة والصّلح أحياناً ينشأ في مناخ الاُسرة وبسبب عوامل مختلفة بعض الإختلافات الجزئيّة وتتهيّأ الأرضيّة النفسيّة لكلٍّ من الزّوجين بشكل يشتد فيه حس الانتقام وتنطفأ فيه أنوار العقل والوجدان. وفي الغالب تكون حالات الفرقة وتشتّت العائلة ناشئة من هذه الموارد والحالات، ولكن يُشاهد في كثير من الحالات أنّ كلّ من الزّوجة والزّوج بعد حصول النّزاع والفُرقة بفترة قليلة من الزّمان يصيبهم النّدم وخاصّة بعد مشاهدة إنهدام الاُسرة وتلاشي المحيط العائلي الدّافيء لتصبَّ حياتهم في بحر المشاكل المختلفة. وهنا تقول الآية مورد البحث: أنّ على النّساء العدّة والصبر ريثما تهدأ تلك الأمواج النفسيّة وتنقشع سحب النّزاع والعداوة عن سماء الحياة المشتركة، وخاصّة إذا أخذنا بنظر الإعتبار حكم الإسلام في وجوب بقاء المرأة وعدم خروجها من بيت زوجها طيلة مدّة العادة حيث يبعث ذلك على حُسن التفكّر وإعادة النّظر في قرار الطّلاق ممّا يؤثّر ذلك كثيراً في رسم وصياغة علاقاتها مع زوجها، ولذلك نقرأ في سورة الطّلاق آية /1/ (لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ... لا تدري لعلّ الله يُحدث بعد ذلك أمرا). وفي الغالب نلحظ أنّه يكفي لإستعادة المناخ الملائم والأجواء الدّافئة للاُسرة قبل الطّلاق قليل من تقوية المحبّة وإعادة المياه إلى مجاريها. 2- العدّة وسيلة لحفظ النّسل إنّ إحدى الأغراض المهمّة للعدّة هو إتّضاح حالة المرأة بالنّسبة إلى الحمل، فصحيح أنّ رؤية المرأة لدم الحيض مرّة واحدة دليل على عدم الحمل، ولكن أحياناً ترى المرأة دم العادة حين الحمل أيضاً وفي بدايته، فمن أجل رعاية هذا الموضوع والحكم بشكل كامل كان على المرأة أن تصبر لترى العدّة ثلاث مرّات وتطهر منها حتّى تقطع تماماً بعدم حملها من زوجها السّابق فيمكنها بعد ذلك الزّواج المجدّد، وطبعاً هناك فوائد اُخرى للعدّة سنشير إليها في مواردها. 3- تلازم الحقّ والوظيفة هنا يشير القرآن الكريم إلى أصل أساس، وهو أنه كلّما كانت هناك وظيفة ومسؤوليّة كان هناك حقّ إلى جانبها، يعني أنّ الوظيفة والحقّ لاينفصلان أبداً، فمثلاً أنّ على الوالدين وظائف بالنّسبة للأولاد، وهذه الوظائف تسبّب إيجاد حقوق في عهدة الأولاد، أو أنّ القاضي موظّف في تحقيق العدالة في المجتمع ما أمكنه ذلك، وفي مقابل هذه الوظيفة والمسؤوليّة له حقوق كثيرة في عهدة الآخرين، وهكذا بالنّسبة إلى الأنبياء (عليهم السلام) وأقوامهم. وفي الآية مورد البحث إشارة إلى هذه الحقيقة حيث تقول أنّ النساء لهنّ من الحقوق بمقدار ما عليهنّ من الواجبات والوظائف، وهذا التّساوي بين الحقوق والواجبات يسهّل عمليّاً إجراء العدالة في حقّهن، وكذلك يثبت عكس هذا المطلب أيضاً فمن جُعل له حقّاً ففي مقابله عليه واجبات ومسؤوليّات لابدّ من أدائها، ولذلك لانجد أحداً له حقّ من الحقوق في أحد الموارد وليست في ذمتّه وظيفة ومسؤوليّة. 4- قصّة المرأة في التّاريخ وحقوقها المهدورة عانت المرأة خلال العصور التاريخيّة المختلفة ألواناً من الظلم والإضطهاد والتعسّف، ويشكّل هذا التاريخ المؤلم المرّ جزءً هامّاً من الدراسات الإجتماعية بشكل عامّ يمكن تقسيم تاريخ حياة المرأة إلى مرحلتين: المرحلة الاُولى: مرحلة ما قبل التاريخ، وليس لنا معلومات صحيحة عن وضع المرأة في هذه المرحلة، ومن الممكن أن تكون قد تمتّعت آنذاك بحقوقها الإنسانية الطبيعيّة. والمرحلة الثانية: مرحلة التاريخ، والمرأة كانت خلالها في كثير من المجتمعات شخصيّة غير مستقلة في جميع الحقوق الإقتصادية والسياسية والإجتماعية، واستمرّ هذا الوضع في قسم من المجتمعات حتّى القرون الأخيرة. هذا اللون من التفكير بشأن المرأة مشهود حتّى في القانون المدنيّ الفرنسيّ المشهور بتقدّميته، على سبيل المثال نشير إلى بعض فقراته المتعلّقة بالشؤون المالية للزوجين: يستفاد من المادّتين 215 و 217 أنّ المرأة المتزوجة لا تستطيع بدون إذن زوجها وتوقيعه أن تؤدّي أيّ عمل حقوقي، وتحتاج في كلّ معاملة إلى إذن الزوج. هذا إذا لم يرد الرجل أن يستغلّ قدرته وأن يمتنع عن الإذن دون مبرّر. وحسب المادّة 1242 يحقّ للرجل أن يتصرّف لوحده بالثروة المشتركة بين المرأة والرجل بأيّ شكل من الأشكال، ولا يلزمه استئذان المرأة بشرط أن يكون التصرّف في إطار الإدارة، وإلاَّ لزمت موافقة المرأة وتوقيعها. وأكثر من ذلك ورد في المادة 1428. : إنّ حقّ إدارة جميع الأموال الخاصّة بالمرأة موكول إلى الرجل- على أنّ المعاملة الخارجة عن حدود الإدارة تتطلّب موافقة المرأة وتوقيعها -. وفي أرض الرسالة الإسلامية- أي الحجاز- كانت المرأة تعامل معاملة الكائن غير المستقل، وكانوا يستثمرونها بشكل فظيع قريب من حالة التوحّش. وبلغ وضع المرأة من الإنحطاط بحيث إن صاحبها كان يستفيد منها للإرتزاق أحياناً، فيعرضها للإيجار. ما كان يعانيه هؤلاء من فقر حضاري وفقر مادّي جعل منهم قساة لا يتورّعون عن إرتكاب جريمة "الوأد" بحقّ الاُنثى. 5- المرحلة الجديدة في حياه المرأة مع ظهور الإسلام وانتشار تعاليمه السامية، دخلت حياة المرأة مرحلة جديدة بعيدة كلّ البعد عمّا سبقها. في هذه المرحلة أصبحت المرأة مستقلّة ومتمتّعة بكلّ حقوقها الفردية والإجتماعية والإنسانية. تقوم تعاليم الإسلام بشأن المرأة على أساس الآيات التي ندرسها في هذا المبحث حيث يقول تعالى: (ولهنَّ مثلُ الذي عليهنَّ بالمعروف)، فالمرأة بموجب هذه الآية تتمتّع بحقوق تعادل ما عليها من واجبات ثقيلة في المجتمع. الإسلام اعتبر الرجل كالمرأة كائناً ذا روح إنسانيّة كاملة، وذا إرادة وإختيار، ويطوي طريقه على طريق تكامله الذي هو هدف الخلقة، ولذلك خاطب الرجل والمرأة معاً في بيان واحد حين قال: (يا أيّها النَّاس... ويا أيّها الذين آمنوا). وضع لهما منهجاً تربوياً وأخلاقياً وعلمياً ووعدهما معاً بالسعادة الأبدية الكاملة في الآخرة، كما جاء في قوله تعالى: (وَ مَنْ عَمِلَ صالحاً من ذكر أو أُنثى وهو مؤمنٌ فأُولئك يدخلون الجنّة)(8). وأكّد أنّ الجنسين قادران على إنتهاج طريق الإسلام للوصول إلى الكمال المعنويّ والماديّ ولبلوغ الحياة الطيّبة المفعمة بالطمأنينة، نظير ما جاء في قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صالِحاً من ذكر أو أُنثى وَهوَ مؤمنٌ فَلَنُحيِيَنّه حياهً طيّبة ولَنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)(9). الإسلام يرى المرأة كالرجل إنساناً مستقلاًّ حرّاً، وهذا المفهوم جاء في مواضع عديدة من القرآن الكريم، كقوله تعالى: (كلّ نفس بما كسبت رهينة)(10). و (مَن عَمِلَ صالحاً فلنفسه وَ مَنْ أساء فعليها)(11). هذه الحريّة قرّرها الإسلام للمرأة والرجل، ولذلك فهما متساويان أمام قوانين الجزاء: (الزانية والزاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة)(12). لمّا كان الاستقلال يستلزم الإرادة والإختيار، فقد قرّر الإسلام هذا الاستقلال في جميع الحقوق الإقتصادية، وأباح للمرأة كلّ ألوان الممارسات المالية، وجعلها مالكة عائدها وأموالها، يقول سبحانه في سورة النساء: (للرجالِ نصيبٌ ممّا اكتسبوا وللنساءِ نصيبٌ ممّا اكتسبن)(13). كلمة "اكتساب"- خلافاً لكلمة "كسب"- لا تستعمل إلاَّ فيما يعود نتيجته على الإنسان نفسه(14). ولو أضفنا إلى هذا المفهوم القاعدة العامّة القائلة: "الناس مسلّطون على أموالهم" لفهمنا مدى الإحترام الذي أقرّه الإسلام للمرأة بمنحها الاستقلال الإقتصادي، ومدى التساوي الذي قرّره بين الجنسين في هذا المجال. فالمرأة- في مفهوم الإسلام- ركن المجتمع الأساسي، ولايجوز التعامل معها على أنّها موجود تابع عديم الإرادة يحتاج إلى قيّم. 6- المفهوم الصحيح للمساواة وهنا ينبغي الإلتفات إلى مسألة الإختلافات الروحية والجسمية بين المرأة والرجل، وهي مسألة التفت إليها الإسلام بشكل خاصّ وأنكرها بعضهم منطلقين من تطرّف في أحاسيسهم. إن أنكرنا كلّ شيء فلا نستطيع أن ننكر الإختلافات الصارخة بين الجنسين في الناحية الجسمية والناحية الروحية، وهذه مسألة تناولتها تأليفات مستقلّة ملخّصها: إنّ المرأة قاعدة إنبثاق الإنسان، وفي أحضانها يتربّى الجيل ويترعرع، وهي لذلك خلقت لتكون مؤهلة جسمياً لتربية الأجيال، كما أنّ لها من الناحية الروحية سهماً أوفى من العواطف والمشاعر. وهل يمكن مع هذا الإختلاف الكبير أن ندّعي تساوي الجنسين في جميع الأعمال واشتراكهما المتساوي في كلّ الاُمور؟! أليست العدالة أن يؤدّي كلّ كائن واجبه مستفيداً من مواهبه وكفاءاته الخاصّة؟! أليس خلافاً للعدالة أن تقوم المرأة بأعمال لا تتناسب مع تكوينها الجسمي والروحي؟! من هنا نرى الإسلام- مع تأكيده على العدالة- يجعل الرجل مقدّماً في بعض الأُمور مثل الإشراف على الأُسرة و... ويدع للمرأة مكانه المساعد فيها. العائلة والمجتمع يحتاج كلّ منهما إلى مدير، ومسألة الإدارة في آخر مراحلها يجب أن تنتهي بشخص واحد، وإلاَّ ساد الهرج والمرج. فهل من الأفضل أن يتولّى هذه المسؤولية المرأة أم الرجل؟ كلّ المحاسبات البعيدة عن التعصّب تقول: إنّ الوضع التكويني للرجل يفرض أن تكون مسؤولية إدارة الأُسرة بيد الرجل، والمرأة تعاونه. مع إصرار المصرّين ولجاج المتعصّبين على إنكار الواقع، فإنّ وضع الحياة الواقعية في عالمنا المعاصر وحتّى في البلدان التي منحت المرأة الحرّية والمساواة بالشكل الكامل- على زعمهم- يدلّ على أنّ المسألة على الصعيد العملي هي كما ذكرناه وإن كانت المزاعم خلاف ذلك. ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ﴾ إذا كن مدخولات ذوات الأقراء ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ﴾ عن التزويج بقمع نفوسهن الطوامح إلى الرجال ومعناها الأمر والتعبير بالخبر للتأكيد ﴿ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ﴾ جمع قرء يقال للطهر والحيض والمراد به هنا الطهر على الأصح وذكر القرء وهو للكثرة والمقام للقلة وصيغتها الأقراء لاستعمال كل من الجمعين مكان الآخر وأوثر لكثرة استعماله ﴿وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾ من الحمل أو الحيض استعجالا للعدة وإبطالا لحق الرجعة ويفيد قبول قولها في ذلك ﴿إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ أي كمال الإيمان يمنع من الكتمان ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ إلى النكاح ﴿فِي ذَلِكَ﴾ في زمان التربص ﴿إِنْ أَرَادُواْ﴾ بالمراجعة ﴿إِصْلاَحًا﴾ لا ضررا بهن ﴿وَلَهُنَّ﴾ حقوق عليهم ﴿مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ﴾ في الوجوب لا في الجنس ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ بالوجه الذي لا ينكر شرعا وعرفا ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ زيادة في الحق وفضيلة ﴿وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ)