ثمّ يضرب مثلا آخر لعبدة الأصنام والمؤمنين والصادقين، فيشبه الأوّل بالعبد الأبكم الذي لا يقدر على شيء، ويشبه الآخر بإِنسان حر يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم: (وضرب اللّه مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كَلُّ على مولاه)(2) ولهذا... (أينما يوجهه لا يأتِ بخير).
وعلى هذا فيكون له أربع صفات سلبية:
أبكم (لا ينطق ولا يسمع ولا يبصر منذ الولادة).
وعاجز لا يقدر على شيء.
وكَلٌّ على مولاه.
وأينما يوجهه لا يأتِ بخير.
مع أنّ الصفات المذكورة علة ومعلول لبعضها الآخر ولكنّها ترسم صورة إِنسان سلبي مائة في المائة حيث أن وجوده لا ينم عن أي خير أو بركة إِضافة لكونه "كلُّ" على أهله ومجتمعه.
فـ (هل يستوي هو ومَنْ يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم)؟!!
وأمّا الرجل الآخر في مثل الآية فهو صاحب دعوة مستمرّة إِلى العدل وسائر على الصراط المستقيم، وما هاتان الصفتان إِلاّ مفتاح لصفات أُخرى متضمنة لها، فصاحب هاتين الصفتين: لسانه ناطق، منطقه محكم، إِرادته قوية، شجاع وشهم، لأنّه لا يمكن أن يتصور لداعية العدل أن يكون: أبكم، جباناً وضعيفاً!! ولا يمكن أن يكون من هو على صراط مستقيم إِنساناً عاجزاً أبله وضعيف العقل، بل ينبغي أن يكون ذكياً، نبيهاً، حكيماً وثابتاً.
وتظهر المقايسة بين هذين الرجلين ذلك البون الشاسع بين الإِتجاهين الفكريين المختلفين لعبدة الأصنام من جهة، وعباد اللّه عزَّ وجلّ من جهة أُخرى، وما بينهم من تفاوت تربوي وعقائدي.
﴿وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ﴾ ولد أخرس ﴿لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ﴾ من نطق وتدبير لأنه لا يفهم ولا يفهم ﴿وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ﴾ ثقل على ولي أمره ﴿أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ﴾ يرسله في حاجة ﴿لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ﴾ بنجح ﴿هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ من هو فصيح فهم نافع للناس يحثهم على العدل ﴿وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ وهو مثل له تعالى وللأصنام أو للمؤمن والكافر.