التّفسير
عندما تغلق الأبواب أمام المجرمين:
بعد أن عرض القرآن الكريم في الآيات السابقة جحود منكري الحق وعدم اعترافهم بالنعم الإِلهية، يتطرق في هذه الآيات إِلى جانب من العقاب الإِلهي الشديد الذي ينتظر أُولئك في عالم الآخرة، لينبه الغافل من سباته، فعسى أنْ يعيد النظر في مواقفه المنحرفة قبل فوات الأوان، فيقول أوّلاً: (ويوم نبعث من كل أُمّة شهيداً)(1).
وهل ثمّة حاجة إِلى شاهد مع وجود علم اللّه المطلق؟
قد يتبادر إِلى الأذهان هذا السؤال عند قراءة الآية، وتتّضح الإِجابة على ذلك من خلال التدقيق في الملاحظة التالية: إِنّ الأُمور غالباً ما يقصد فيها الجانب النفسي والروحي، والإِنسان كلما أيقن بوجود الشهود والمراقبين عليه من قبل اللّه سبحانه ازداد في محاسبة نفسه، وأقل ما يمكن أن يذكر بهذا الصدد ما سيصيبه من خجل يوم مواجهتهم مع ما إِقترفت يداه.
وبخصوص تلك المحكمة، تأتي الآية لتقول: (ثمّ لا يؤذن للذين كفروا).
وهل من الممكن أن لا يأذن اللّه للمجرمين في الدفاع عن أنفسهم؟
نعم، وذلك لعدم الحاجة للسان في ذلك اليوم العظيم، لأنّ الجوارح من رجل وأذن وعين وكذلك الجلد، بل وحتى الأرض التي أطاع الإِنسان عليها أو عصى، كلها ستشهد عليه، ويمكن استفادة هذا المعنى من آيات قرآنية أُخرى كالآية (65) من سورة يـس والآية (36) من سورة المرسلات.
بل ويزاد على عدم السماح لهم بالكلام ب- (ولا هم يستعتبون)(2).
لأنّ هناك محل مواجهة نتائج الأعمال وليس يوم العمل والإِصلاح، وهم حينها كالثمرّة المقطوفة التي انتهى زمن نموها.
﴿وَيَوْمَ﴾ واذكر أو خوفهم يوم ﴿نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا﴾ هو نبيها أو إمام زمانها يشهد لها أو عليها يوم القيامة ﴿ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ في الاعتذار ﴿وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ لا يطلب منهم العتبى أي الرجوع إلى رضا الله.