سبب النزول
يقول المفسّر الكبير العلاّمة الطبرسي في (مجمع البيان) في شأن نزول أوّل آية من هذه الآيات أنّها نزلت في الذين بايعوا النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) على الإِسلام (وكان من المحتمل أن ينقض بعضهم البيعة لقلّة المسلمين وكثرة الأعداء)، فقال سبحانه مخاطباً لهم لا يحملنّكم قلّة المسلمين وكثرة المشركين على نقض البيعة).
التّفيسر
الوفاء بالعهد دليل الإِيمان:
بعد أن عرض القرآن الكريم في الآية السابقة بعض أصول الإِسلام الأساسية (العدل، والإِحسان، وما شابههما)، يتناول في هذه الآيات قسماً آخر من تعاليم الإِسلام المهمّة (الوفاء بالعهد والأيمان).
يقول أوّلاً: (وأوفوا بعهد اللّه إِذا عاهدتم)، ثمّ يضيف: (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم اللّه عليكم كفيلا إِنّ اللّه يعلم ما تفعلون).
إِنّ ظاهر معنى "عهد اللّه" - مع كثرة ما قال المفسّرون فيه - هو: العهود التي يبرمها الناس مع اللّه تعالى (وبديهي أنّ العهد مع النّبي عهد مع اللّه أيضاً)، وعليه فهو يشمل كل عهد إِلهي وبيعة في طريق الإِيمان والجهاد وغير ذلك.
بل إِنّ التكاليف الشرعية التي يعلنها النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) هي من نوع من العهد الإِلهي الضمني، وكذا الحال بالنسبة للتكاليف العقلية، لأنّ إِعطاء العقل والإِدراك من اللّه عزَّ وجلّ للإِنسان إِنّما يرافقه عهد ضمني، وهكذا يدخل الجميع في المفهوم الواسع لعهد اللّه.
أمّا مسألة "الأيمان" (جمع يمين، أيّ: القسم) التي وردت في الآية - والتي عرض فيها المفسّرون آراء كثيرة - فلها معنى واسع، ويتّضح ذلك عند ملاحظة مفهوم الجملة حيث أنّه يشمل العهود التي يعقدها الإِنسان مع اللّه عزَّوجلّ، بالإِضافة إِلى ما يستعمله من أيمان في تعامله مع خلق اللّه.
وبعبارة أُخرى: يدخل بين إِطار هذه الجملة كل عهد يبرم تحت اسم اللّه وباستعمال صيغة القسم، وما يؤكّد ذلك ما تبعها من عبارة تفسيرية تأكيدية (وقد جعلتم اللّه عليكم كفيلا).
ونتيجة القول: أنّ جملة (أوفوا بعهد اللّه) خاصّة، وجملة (لا تنقضوا الأيمان) عامّة.
﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ﴾ وهو كل ما يجب الوفاء به وقيل البيعة للرسول ﴿إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا﴾ توثيقها باسم الله تعالى ﴿وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً﴾ شهيدا بالوفاء ﴿إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ من نقض ووفاء.