لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النّزول جاءت امرأة إلى رسول الله (ص) وقالت. كنتُ عند ابن عمّي (رفاعة) فطلّقني ثلاثاً، فتزوّجت بعده عبدالرحمن بن الزبير، ولكنّه أيضاً طلّقني قبل أن يمسّني، فهل لي أن أعود إلى زوجي الأول؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "لا، حتّى يذوق عسيلتك، وتذوقي عسيلته" أي حتّى يتمّ النكاح مع الزوج الثاني(1). التّفسير جاء في الآية السابقة إجمالاً أنّ للمرأة وللرجل بعد الطلاق الثاني أحد أمرين: إمّا أن يتصالحا ويرجعا إلى الحياة الزوجية، وإمّا أن ينفصلا إنفصالاً نهائياً. هذه الآية حكمها حكم الفقرة التابعة لمادّة قانونية. فهذه الآية تقول إن حكم الإنفصال حكم دائمي، إلاَّ إذا اتخذت المرأة زوجاً آخر، وطلّقها بعد الدخول بها، فعندئذ لها أن ترجع إلى زوجها الأوّل إذا رأيا أنهما قادران على أن يعيشا معاً ضمن حدود الله. ويستفاد من الرّوايات عن أئمّة الدّين أنّ لهذا الزّواج الثاني شرطين، أوّلاً: أن يكون هذا الزّواج دائميّاً، والثاني: أن يتبع عقد الزّواج الإتّصال الجنسي، ويمكن استفادة هذين الشرطين من مفهوم الآية أيضاً، أمّا الأوّل وهو أن يكون العقد دائميّاً فلجملة (فإن طلّقها) الشاهدة على هذا المعنى، لأنّ الطّلاق لايكون إلاّ في العقد الدائمي، وأمّا الوطىء فيمكن أن يُستفاد من جملة (حتّى تنكح زوجاً غيره) لأنّ المستعمل في سيرة اُدباء العرب أنّهم حينما يقولون (نكح فلاناً فلانة) فيُمكن أن يراد منه مجرّد العقد، أمّا لو قيل (نكح زوجته) فهذا يدلّ على الوطىء (لأنّه حسب الفرض أنّها زوجته فعندما يقال (نكح) في مورد الزوجة فلا يعني سوى العمليّة الجنسيّة)(2) مضافاً إلى أنّ المطلّق ينصرف إلى الفرد الغالب والغالب في عقد الزواج هو إقترانه بالوطىء، ومضافاً إلى ما تقدّم فإنّ لهذا الحكم فلسفة خاصّة لا تتحقّق بمجرّد إجراء العقد كما سنشير إلى ذلك لاحقاً. بحث المحلّل مانع من تكرّر الطّلاق: المعمول بين الفقهاء أنّهم يطلقون على الزّوج الثاني في هذه الموارد قسم (المحلّل) لأنّه يؤدّي إلى أن تكون هذه المرأة حلال لزوجها السّابق (طبعاً بعد الطّلاق والعدّة) والظّاهر أنّ مراد الشارع المقدّس من ذلك هو منع تعدّد الطّلقات. توضيح ذلك: كما أنّ الزّواج أمر ضروريٌّ وحياتيٌّ بالنّسبة للإنسان، فكذلك الطّلاق تحت شرائط خاصّة يكون ضروريّاً أيضاً، ولذلك نجد أنّ الإسلام (وخلافاً للمسيحيّة المحرّفة) يُبيح الطّلاق، ولكن بما أنّه يؤدّي إلى تشتيت العائلة وإلى إنزال ضربات موجعة بالفرد والمجتمع، فقد وضعت شروط متنوعة للحيلولة دون وقوع الطّلاق قدر إمكان. إنّ موضوع الزواج المجدّد أو "المحلّل" واحد من تلك الشروط، إذ أنّ زواج المرأة من رجل جديد بعد طلاقها من زوجها الأول ثلاثاً يعتبر عائقاً كبيراً بوجه استمرار الطلاق أو التمادي فيه. فالذي يريد أن يطلّق زوجته الطلاق الثالث، يشعر أنّه إن فعل ذلك فلن تعود إليه وتكون من نصيب غيره، وهذا الشعور يجرح كرامته، ولذلك فهو لن يقدم على هذا العمل عادةً إلاَّ مضطرّاً. في الحقيقة أنّ قضية "المحلّل" أو الأصحّ زواج المرأة برجل آخر زواجاً دائمياً يعتبر مانعاً يقف بوجه الرجال من ذوي الأهواء المتقلّبة والمخادعين لكي لا يجعلوا من النساء ألاعيب بين أيديهم وغرضاً لخدمة أهوائهم، وأن لا يمارسوا- بلا حدود- قانون الطلاق والعودة. إنّ شروط هذا الزواج (كأن يكون دائمياً) تدلّ على أنّ هذا الزواج ليس هدفه إيجاد وسيلة لإيصال الزوجة إلى زوجها الأول، لأنه يحتمل أن لا يطلقها الزوج الثاني، لذلك فلا يمكن استغلال هذا القانون ورفع العائق عن طريق زواج مؤقّت. ومع الإلتفات إلى ما ذُكر أعلاه يمكن القول أنّ هدف الزّواج الثاني بعد ثلاث طلقات والسّماح لكلّ من الزوجين في تشكيل حياة زوجيّة جديدة من أجل أن لا يصبح الزّواج هذا الرّباط المقدّس مدعاة للتّغالب وفق أهواء الزوج الأوّل ومشتهياته الشّيطانية، وفي نفس الوقت إذا طلّقها الزوج الثاني فإنّ طريق العودة والرّجوع سيكون مفتوحاً أمامهما فيجوز للزّوج الأوّل نكاحها من جديد، ولذلك اُطلق على الزوج الثاني (المحلّل). ومن هنا يتّضح أنّ البحث يخص الزّواج الواقعي الجاد بالنّسبة إلى المحلّل، أمّا إذا قصد شخص منذ البداية أن يتوسّل بزواج مؤقّت، واعتبر القضية مجرّد شكليّات يحلّها (المحلّل) فإنّ زواجاً هذا شأنه لا يُؤخذ به ويكون باطلاً، كما أنّالمرأة لا تحلّ لزوجها الأوّل، ولعلّ الحديث المذكور (لعن الله المحلّل والمحلّلله)(3) يشير إلى هذا النوع من المحلّلين، وهذا الأُسلوب من الزّواج الظّاهري والشكلي. وذهب البعض إلى أنّ الزوج الثاني إذا قصد الزّواج الدائمي الجدّي، ولكن كانت نيّته أن يفتح طريق عودة المرأة ورجوعها إلى الزّوج الأوّل، فإن هذا الزّواج يُعتبر باطلاً أيضاً، وذهب البعض أيضاً إلى أنّه في هذه الحالة يقع الزّواج صحيحاً رغم أن نيّته هي إرجاع المرأة إلى زوجها الأوّل، ولكنّه مكروهاً بشرط أن لا يُذكر هذا المعنى كالجزء من شرائط العقد. ومن هنا يتتضح أيضاً الضجّة المفتعلة للمغرضين الّذين اتّخذوا من (المحلّل) ذريعة لِشن حملاتهم الظّالمة على أحكام الإسلام ومقدّساته، فهذه الضجّة المفتعلة دليل على جهلهم وحقدهم على الإسلام، وإلاّ فإنّ هذا الحكم الإلهي بالشّرائط المذكورة عامل على منع الطّلاق المتكرّر والحدّ من التصرّفات الهوجاء لبعض الأزواج، ودافعٌ على إصلاح الوضع العائلي وإصلاح الحياة الزوجيّة ﴿فَإِن طَلَّقَهَا﴾ الطلاق المكرر المذكور في الطلاق مرتان واستوفى نصابه أو ثالثة بعد المرتين ﴿فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ﴾ من بعد ذلك الطلاق ﴿حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ ولا بد من الوطء للإجماع والنص ﴿فَإِن طَلَّقَهَا﴾ الثاني ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ﴾ ما شرع من لوازم الزوجية ﴿وَتِلْكَ﴾ الأحكام المذكورة ﴿حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ وينتفعون بالبيان.