سبب النزول
نقل المفسّر الكبير العلاّمة الطبرسي عن ابن عباس قوله: إِنّ رجلا من حضرموت يقال له عيدان الأشرع قال: يا رسول اللّه، إِنّ امرأ القيس الكندي جاورني في أرضي فاقتطع من أرضي فذهب بها منّي، والقوم يعلمون إِنّي لصادق، ولكنّه أكرم عليهم منّي، فسأل رسول اللّه اُمرأ القيس عنه فقال: لا أدري ما يقول، فأمره أنْ يحلف.
فقال عيدان: إِنّه فاجر لا يبالي أنْ يحلف، فقال: إِنْ لم يكن لك شهود فخذ بيمينه، فلماذا قام ليحلف أنظره فانصر فافنزل قوله: (ولا تشتروا وابعهد اللّه...) الآيتان فلمّا قرأهما رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) قال امرؤ القيس: أمّا ما عندي فينفد وهو صادق فيما يقول، لقد اقتطعت أرضه ولم أدرِ كم
هي، فليأخذ من أرضي ما شاء ومثلها معها بما أكلت من ثمرها، فنزل فيه (مَنْ عمل صالحاً...)الآية.
التّفسير
ثمن الحياة الطيبة:
جاءت الآية الأُولى من هذه الآيات لتؤكّد على قبح نقض العهد مرّة أُخرى ولتبيّن عذراً آخراً من أعذار نقض العهد الواهية، فحيث تطرقت الآيات السابقة إِلى عذر الخوف من كثرة الأعداء تأتي هذه الآية لتطرح ما للمصلحة الشخصية (المادية) من أثر سلبي على حياة الإِنسان.
ولهذا تقول: (ولا تشتروا بعهد اللّه ثمناً قليلا).
أيْ إِنّ قيمة الوفاء بعهد اللّه لا تدانيها قيمة، ولو استلمتم زمام ملك الدنيا بأسرها فإِنّه لا يساوي قيمة لحظة واحدة من الوفاء بعهد اللّه.
وتضيف الآية المباركة للدلالة على هذا الأمر: (إِنّما عند اللّه هو خير لكم إِنْ كنتم تعلمون).
﴿وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً﴾ تستبدلوا به عرضا يسيرا من الدنيا تنقضوه لأجله ﴿إِنَّمَا عِندَ اللّهِ﴾ من الثواب على الوفاء بالعهد ﴿هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ من عرض الدنيا ﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ذلك فأوفوا.