ويبيّن القرآن في الآية التالية سبب الأفضلية بقوله: (ما عندكم ينفد وما عند اللّه باق) لأنّ المنافع المادية وإِنْ بدت كبيرة في الظاهر، إِلاّ أنّها لا تعدو أنْ تكون فقاعات على سطح ماء، في حين أنّ الجزاء والثواب الإِلهي النابع من ذات اللّه المطلقة والمقدسة أعلى وأفضل من كل شيء.
ثمّ يضيف قائلا: (ولنجزينَّ الذين صبروا أجرهم) - وعلى الأخص في الثبات على العهد والأيمان - (بأحسن ما كانوا يعملون).
إِنّ التعبير ب- "أحسن" دليل على أنّ أعمالهم الحسنة ليست بدرجة واحدة، فبعضها حسن والبعض الآخر أحسن، ولكنّ اللّه تعالى يجزي الجميع بأحسن ما كانوا يعملون، وهو ذروة اللطف والرحمة الربانية، كما لو مثلنا لذلك في مثل من حياتنا كأنْ يعرض بائع أنواعاً من البضائع المتفاوتة في النوعية، فقسم منها بضائع جيدة، وقسم آخر بضائع رديئة، والبقية بين الإِثنين، فيأتي مشتري ليأخذ الجميع بسعر النوعية الجيدة!!
ولا تخلو جملة (ولنجزين الذين صبروا...) من الإِشارة إِلى أنّ الصبر والثبات في السير على طريق الطاعة، وخصوصاً حفظ العهود والإِيمان هي من أفضل أعمال الإِنسان.
وقد روي عن علي(عليه السلام) قوله: "الصبر من الإِيمان كالرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس معه، ولا في إِيمان لا صبر معه"(1).
﴿مَا عِندَكُمْ﴾ من الدنيا ﴿يَنفَدُ﴾ يفنى ﴿وَمَا عِندَ اللّهِ﴾ من الثواب ﴿بَاقٍ﴾ لا ينقطع ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ﴾ بالياء والنون ﴿الَّذِينَ صَبَرُواْ﴾ على مشاق التكذيب ﴿أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ من الطاعة.