لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
(إِنّما سلطانه على الذين يتولّونه والذين هم به مشركون)، لأنّهم يعتبرون أمر الشيطان واجب الطاعة دون أمر اللّه!! بحوث 1 - موانع المعرفة مع كل ما للحقيقة من ظهور ووضوح فإِنّها لا تلحظ إِلاّ بعين باصرة، وبعبارة أُخرى، ثمة شرطان لمعرفة الحقائق: الأوّل: وضوح الحقيقة. الثّاني: وجود وسيلة للنظر إِليها وإِدراكها. فهل يمكن للأعمى أنْ يرى قرص الشمس يوماً ما مع البقاء على حالة العمى؟ وهل يمكن للأصم أنْ يسمع نغمات هذا العالم الجميلة؟ فكذا الحال بالنسبة لفاقد البصيرة الثاقبة والأذن السميعة، فإنّه محروم من رؤية جلال الحق، ومحروم من سماع آياته الرائعة. ولكنْ، لماذا يفقد الإِنسان قدرته على المعرفة؟!! لأنّه قد أوجد الأحكام المسبقة الخاطئة عنده، وسمح للأهواء النفسية والتعصبات العمياء المتطرفة أن تتغلب على توجهه، ووقع في أسر الذات والغرور، ولوث صفاء قلبه وطهارة روحه بأُمور قد جعلها موانع أمام فهم وإِدراك الحقائق. وجاء في الحديث الشريف: "لولا أنّ الشياطين يحومون حول قلوب بني آدم لنظروا إِلى ملكوت السماوات". فأوّل شرط ينبغي تحقيقه لمن رام السير على طريق الحق هو تهذيب النفس وامتلاك التقوى، وبدون ذلك يقع الإِنسان في ظلمات الوهم فيضل الطريق. ويشير القرآن الكريم لهذه الحقيقة ب- (هدىً للمتقين). وكم من أُناس طلبوا آيات القرآن بتعصب وعناد وأحكام مسبقة (فردية أو إِجتماعية) وحملوا القرآن بما يريدون لا بما يريده القرآن، فازدادوا ضلالا بدلا من أن يكون القرآن هادياً لهم (وطبيعي أنّ القرآن بآياته وحقائقه الناصعة لا يكون وسيلة للإِضلال، ولكنّ أهواءهم وعنادهم هو الذي جرّهم لذلك) والآيتان (124 و125) من سورة التوبة تبيّن لنا هذه الحالة بكل وضوح: (أمّا الذين آمنوا فزادتهم إِيماناً وهم يستبشرون وأمّا الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إِلى رجسهم وماتوا وهم كافرون). فالمقصود بالآية عدم الإِكتفاء بذكر (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) بل ينبغي أنْ نجعل من هذا الذكر فكراً، ومن الفكر حالة داخلية، وعندما نقرأ آيّة نستعيذ بالله من أن تستحوذ وساوس الشيطان علينا، أو أنْ تحول بيننا وبين كلام اللّه جل وعلا. 2 - لماذا يكون التعوذ "من الشيطان الرجيم"؟ "الرجيم": من (رجم)، بمعنى الطرد، وهو في الأصل بمعنى الرمي بالحجر ثمّ استعمل في الطرد. ونلاحظ ذكر صفة طرد الشيطان من دون جميع صفاته، للتذكير بتكبّره على أمر اللّه حين أمره بالسجود والخضوع لآدم، وإِنّ ذلك التكبّر الذي دخل الشيطان بات بمثابة حجاب بينه وبين إِدراك الحقائق، حتى سولت له نفسه أن يعتقد بأفضليته على آدم وقال: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين). فكان ذلك العناد والغرور سبباً لتمرده على أمر اللّه عزَّ وجلّ ممّا أدى لكفره ومن ثمّ طرده من الجنّة. وكأنّ القرآن الكريم يريد أنْ يفهمنا باستخدامه كلمة "الرجيم" بضرورة الإِحتياط والحذر من الوقوع في حالة التكبّر والغرور والتعصب عند تلاوة آيات اللّه الحكيم، لكي لا نقع بما وقع به الشيطان من قبل، فنهوى في وحل الكفر بدلا من إِدراك وفهم الحقائق القرآنية. 3 - بين لوائي الحقّ والباطل قسمت الآيات أعلاه الناس إِلى قسمين: قسم يرزح تحت سلطة الشيطان وقسم خارج عن هذه السلطة، وبيّنت صفتين لكلٍّ من هذين القسمين: فالذين هم خارج سلطة الشيطان: مؤمنون ومتوكلون على اللّه عزَّ وجلّ، أيْ أنّهم من الناحية الإِعتقادية عباد لله، ومن الناحية العملية يعيشون مستقلين عن كل شيء سوى اللّه، ويتوكلون عليه لا على البشر أو على الأهواء والتعصبات. أمّا الذين يرزحون تحت سلطة الشيطان، فقائدهم الشيطان (يتولّونه) وهو مشركون، لأنّ أعمالهم تشير إِلى تبعيتهم للشيطان وأوامره كشريك لله جل وعلا. وثمة مَنْ يسعى لأنْ يكون من القسم الأوّل، ولكنّ ابتعاده عن المربّين الإِلْهيين، أو الضياع في محيط فاسد، أو أيّ أسباب أُخرى، تؤدي الى سقوطه في وحل القسم الثّاني. وعلى أيّةِ حال، فالآية تؤكّد حقيقة أنّ سلطة الشيطان ليست إِجبارية على الإِنسان، ولا يتمكن من التأثير على الإِنسان من دون أنْ يمهد الإِنسان السبيل لدخول الشيطان في نفسه، ويعطيه إِجازة المرور من بوابة قلبه. 4 - آداب تلاوة القرآن: كل شيء يحتاج الى برنامج معين ولا يستثنى كتاب عظيم - كالقرآن الكريم - من هذه القاعدة، لذلك فقد ذكر في القرآن بعض الآداب والشروط لتلاوة كلام اللّه والإِستفادة من آياته: 1 - يقول تعالى أوّلاً: (لا يمسّه إِلاّ المطهّرون)، ويمكن أن يشير هذا التعبير إِلى الطهارة الظاهرية، كأن يكون مس كتابة القرآن مشروط بالطهارة والوضوء، وكذا الإِشارة إِلى إِمكان تيسر الوصول لفهم محتوى آيات القرآن من خلال تطهير النفس من الرذائل الأخلاقية، لأنّ الصفات القبيحة تمنع من مشاهدة جمال الحق باعتبارها حجاباً مظلماً بين الإِنسان والحقائق. 2 - يجب الإِستعاذة بالله من الشيطان الرجيم قبل الشروع بتلاوة آيات اللّه (فإِذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم). وعندما سئل الإِمام الصادق(عليه السلام) عن طريقة العمل بهذا القول، يروى أنّه قال: "قل أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم". وفي رواية أُخرى، عند تلاوته عليه السلام لسورة الحمد قال: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وأعوذ بالله أنْ يحضرون". وكما قلنا، فإِنّ التلفظ - فقط - في الإِستعاذة لا يغني من الحق شيئاً، مالم تنفذ الإِستعاذة إِلى أعماق الروح بشكل ينفصل فيه الإِنسان عند التلاوة عن إِرادة الشيطان، ويقترب من الصفات الإِلهية، لترتفع عن فكره موانع فهم كلام الحق، وليرى جمال الحقيقة بوضوح تام. فالإِستعاذة بالله من الشيطان - إِذِنْ - لازمة قبل الشروع بالتلاوة، ومستمرّة مع التلاوة إِلى آخرها وإِنْ لم يكن ذلك باللسان. 3 - تجب القراءة ترتيلا، أي مع التفكّر والتأمّل (ورتل القرآن ترتيلا)(1). وفي تفسير هذه الآية روي عن الإِمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: "إِنَّ القرآن لا يُقرأ هزرمةً ولكنْ يرتل ترتيلا، إِذا مررت بآية فيها ذكر النّار وقفت عندها وتعوّذت بالله من النّار"(2). 4 - وقد ورد الأمر بالتدبّر والتفكّر في القرآن إِضافةً إِلى الترتيل. حيث جاء في الآية (82) من سورة النساء: (أفلا يتدبرون القرآن). وعن أبي عبدالرحمن السلمي قال: حدثنا مَنْ كان يُقرئنا من الصحابة أنّهم كانوا يأخذون من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) عشر آيات، فلا يأخذون في العشر الأُخَر حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل. وفي حديث عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "اعربوا القرآن والتمسوا غرائبه"(3). وروي عن الإِمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: "لقد تجلّى اللّه لخلقه في كلامه ولكنّهم لا يبصرون"(4). (ولكنّ ذوي الضمائر الحيّة والعلماء المؤمنين، يستطيعون رؤية جماله المتجلّي في كلامه جل وعلا). 5 - على الذين يستمعون إِلى تلاوة القرآن أنْ ينصتوا إِليه بتفكّر وتأمّل (وإِذا قرىء القرآن فاستمعوا إِليه وانصتوا لعلّكم ترحمون)(5). وثمة أحاديث شريفة تحث على قراءة القرآن بصوت حسن، لما له من فعل مؤثر في تحسّس مفاهيمه، ولكنّ المجال لا يسمح لنا بتفصيل ذلك(6). ﴿إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ﴾ يطيعونه ﴿وَالَّذِينَ هُم بِهِ﴾ بسببه أو بالله ﴿مُشْرِكُونَ﴾.