وتأتي الآية الأُخرى لتبيّن سبب عدم هدايتهم، فتقول: (أُولئك الذين طبع اللّه على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم) بحيث أنّهم حُرموا من نعمة الرؤية والسمع وادراك الحقائق: (وأُولئك هم الغافلون).
وكما قلنا سابقاً فإِنّ ارتكاب الذنوب وفعل القبائح يترك أثره السلبي على إدراك الإِنسان للحقائق وعلى عقله ورؤيته السليمة، وتدريجياً يسلب منه سلامة الفكر، وكلما ازداد في غيه كلّما اشتدت حجب الغفلة على قلبه وسمعه وبصره، حتى يؤول به المآل إِلى أن يصبح ذا عين ولكنْ لا يرى بها، وذا أُذن وكأنّه لا يسمع بها، وتغلق أبواب روحه من تقبّل أيّة حقيقة، فيخسر الحس التشخيصي والقدرة على التمييز، والتي تعتبر من النعم الإِلهي العالية.
"الطبع" هنا: بمعنى "الختم"، وهو إِشارة إِلى حالة الإِحكام المطلق، فلو أراد شخص مثلا أنْ يغلق صندوقاً معيناً بشكل محكم كي لا تصل إِليه الأيدي فإِنّه يقوم بربطه بالحبال وغيرها، ومن ثمّ يقوم بوضع ختم من الشمع على باب الصندوق للإِطمئنان من عبث العابثين.
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾ أسند إليه تعالى الطبع مجازا عن منعهم اللطف حين أبوا قبول الحق وأعرضوا عنه ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ عما يراد بهم.