لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير لا يفلح الكاذبون: بعد أنْ تحدثت الآيات السابقة عن النعم الإِلهية ومسألة شكر النعمة، تأتي الآيات أعلاه لتتحدث عن آخر حلقات الموضوع وتطرح مسألة المحرمات الواقعية وغير الواقعية لتفصل بين الدين الحق وبين البدع التي أُحدثت في دين اللّه، وتشرع بالقول: (إِنّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أُهِلَّ لغير اللّه به)(1). وقد بحثنا موضوع تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير بالتفصيل في تفسيرنا للآية (173) من سورة البقرة. إِنّ تلوّث هذه المواد الثلاث بات اليوم ليس خافياً على أحد، فالميتة مصدر لأنواع الجراثيم، والدم من أكثر مكونات البدن تقبلا للتلوّث بالجراثيم، وأمّا لحم الخنزير فيعتبر سبباً للإِصابه بالكثير من الأمراض الخطرة، وفوق كل ذلك (وكما قلنا في تفسيرنا لسورة البقرة) فتناول لحم الخنزير والدم له الأثر الخطير على الحالة النفسية والأخلاقية للإِنسان، بسبب التأثير الحاصل منهما على هرمونات البدن، (و الميتة بسبب عدم ذبحها وخروج دمها فإِنّ أضرار التلوّث تتضاعف فيها). أمّا فلسفة تحريم ما يذبح لغير اللّه (حيث كانوا بدلا من ذكر اسم اللّه عند الذبح يذكرون أسماء أصنامهم أو لا يتلفظون بشيء) فليست صحية، بل هي أخلاقية ومعنوية، حيث نعلم بعدم كفاية علّة التحليل والتحريم في الإِسلام بملاحظة الجانب الصحي للموضوع، بل من المحرمات ذات جانب معنوي صرف، وحرمت بلحاظ تهذيب الروح والنظر إِلى الجنبة الأخلاقية، وقد يأتي التحريم في بعض الحالات حفظاً للنظام الإِجتماعي. فتحريم أكل لحم ما لم يذكر عليه اسم اللّه إِنّما كان بلحاظ أخلاقي. فمن جهة يكون التحريم حرباً على الشرك وعبادة الأصنام، ومن جهة أُخرى يكون دعوة إِلى خالق هذه النعم. ويستفاد من المحتوى العام للآية والآيات التالية أنّ الإِسلام يوصي بالإِعتدال في تناول اللحوم، فلا يكون المسلم كالذين حرّموا على أنفسهم تناول اللحم واكتفوا بالأغذية النباتية، ولا كالذين أحلّوا لأنفسهم أكل اللحوم أيّاً كانت كأهل الجاهلية والبعض ممن يدّعي التمدّن في عصرنا الحاضر، ممن يجيزون أكل كل لحم (كالسحالي والسرطان وأنواع الديدان). جواب على سؤال: وهنا يأتي السؤال التالي... ذكرت الآية المباركة أربعة أقسام من الحيوانات المحرمة الأكل أو أجزائها، والذي نعلمه أنّ المحرم من اللحوم أكثر ممّا ذكر، حتى أنّ بعض السور القرآنية ذكرت من المحرمات أكثر من أربعة أقسام (كما في الآية (رقم 3) من سورة المائدة). فلماذا حددت الآية أربعة أشياء فقط؟ وجواب السؤال - كما قلنا في تفسير الآية (145) من سورة الأنعام -: أنّ الحصر الموجود في الآية هو حصر إِضافي، أيْ أنّ المقصود من استعمال "إِنّما" في هذه الآيات لنفي وإِبطال البدع التي كان يقول بها المشركون في تحريم بعض الحيوانات، وكأنّ القرآن يقول لهم: هذه الأشياء حرام، لا ما تقولون!! وثمّة إِحتمال آخر، وهو أنْ تكون هذه المحرمات الأربعة هي المحرمات الأصلية أو الأساسية، حيث أنّ "المنخنقة" المذكورة في آية (رقم 3) من سورة المائدة داخلة في إِحدى الأقسام الأربعة (الميتة). أمّا المحرمات الأُخرى من أجزاء الحيوانات أو أنواعها - كالوحوش - فتأتي في الدرجة الثّانية، ولذا أتى حكم تحريمها بطريق سنّة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وعليه فيمكن أنْ يكون الحصر في الآية حصراً حقيقياً - فتأمل. وفي نهاية الآية سياقاً مع الأسلوب القرآني عند تناوله ذُكرت الحالات والموارد الإِستثنائية، يقول: (فمن اضطر) كأن يكون في صحراء ولا يملك غذاء (غير باغ ولا عاد فإِنّ اللّه غفور رحيم). "باغ" أو الباغي: (من البغي) بمعنى "الطلب"، ويأتي هنا بمعنى طلب اللذة أو تحليل ما حرم اللّه. "عاد" أو العادي، (من العدو) أي "التجاوز"، ويأتي هنا بمعنى أكل المضطر لأكثر من حد الضرورة. وورد تفسير (الباغي) في أحاديث أهل البيت(عليهم السلام) بأنّه (الظالم)، و(العادى) بمعنى (الغاصب)، وجاء - أيضاً - الباغي: هو الذي يخرج على إِمام زمانه، والعادي، هو السارق. وإِشارة الرّوايات المذكورة يمكن حملها على الإِضطرار الحاصل عند السفر، فإِذا سافر شخص ما طلباً للظلم والغصب والسرقة ثمّ اضطر إِلى أكل هذه اللحوم المحرمة فسوف لا يغفر له ذنبه، حتى وإِن كان لحفظ حياته من الهلاك المحتم. وعلى أيّةِ حال، فلا تنافي بين ما ذهبت إِليه التفاسير وبين المفهوم العام للآية، حيث يمكن جمعها. ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ فسر في البقرة والحصر إضافي بالنسبة إلى ما حرموه على أنفسهم.