إِنّ آخر آية من الآيات مورد البحث تجيب على السؤال المذكور حين تقول: (إِنّما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه) أيْ أنّ السبت وما حرم في السبت كان عقوبة لليهود، وقد اختلفوا فيه أيضاً، فمنهم مَنْ قبله ومنهم مَنْ أهمله.
وتقول بعض الرّوايات: أنّ موسى(عليه السلام) دعا قومه بني اسرائيل لاحترام يوم الجمعة وتعطيل أعمالهم فيه، وهو دين إِبراهيم(عليه السلام)، إِلاّ إنّهم تعلّلوا، واختاروا يوم السبت، فجعله اللّه عطلة لهم ولكنْ بضيق وشدّة، ولهذا لا ينبغي الإِعتماد على تعطيل يوم السبت، لأنّه إِنّما كان استثنائياً وذا طابع جزائي، وأفضل دليل على هذا الأمر أنّ اليهود أنفسهم اختلفوا في يومهم المنتخب هذا، فبعض احترمه وبعض آخر خالف ذلك وأدام العمل والكسب فيه حتى أصابهم عذاب اللّه.
وثمّة احتمال آخر أنْ تكون إِشارة الآية مرتبطة ببدع المشركين في موضوع الأغذية الحيوانية، لأنّ الآيات السابقة تطرقت لذلك من خلال إِجابتها على تساؤل: لماذا لم يحرم في الإِسلام ما كان محرماً في دين اليهود؟ فجاء الجواب أنّ ذلك كان عقاباً لهم، فيطرح السؤال مرّة أُخرى حول عدم حرمة صيد الأسماك يوم السبت في الأحكام الإِسلامية في حين أنّه محرم على اليهود ...فيكون الجواب بأنّه كان عقاباً لليهود أيضاً.
وعلى أيّةِ حال، فثمّة ارتباط بين هذه الآيات والآيات (163 - 166) من سورة الأعراف التي تتحدث الحديث عن "أصحاب السبت"، حيث عرضت قصتهم، وكيف أنّ صيد السمك قد حرّم عليهم في يوم السبت، ومخالفة قسم منهم لهذا الأمر، والعقاب الشديد الذي نزل عليهم بعد ذلك الإِمتحان الإِلهي.
وينبغي الإِلتفات إِلى أنّ "السبت" في الأصل بمعنى تعطيل الأعمال للإِستراحة، ولذلك سمي يوم السبت، لأنّ اليهود كانوا يعطلون أعمالهم فيه، وبقي هذا الإِسم مستعملا حتى بعد مجيء الإِسلام، إِلاّ أنّه لا عطلة فيه.
ويقول القرآن الكريم في آخر الآية: (وإِنّ ربّك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون).
وكما أشرنا سابقاً فإِنّ إِحدى خصائص يوم القيامة إِنهاء الإِختلافات على كافة الأصعدة، والعودة إِلى التوحيد المطلق، لأنّ يوم القيامة هو يوم: البروز، الظهور، كشف السرائر والبواطن، وكشف الغطاء ويوم رفع الحجب.
﴿إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ﴾ فرض تعظيمه ﴿عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ﴾ على نبيهم وهم اليهود إذ أمروا بتعظيم الجمعة فأبوا إلى السبت فالزموه وشدد عليهم فيه أو إنما جعل وبال السبت أي المسخ على الذين اختلفوا فيه فحرموا الصيد فيه ثم أحلوه بما احتالوا له ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ بإثابة المطيع وتعذيب العاصي.