لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
9 - (إِنّ اللّه مع الذين اتقوا): التقوى في جميع أبعادها وبمفهومها الواسع، ومنها: التقوى في مواجهة المخالفين بمراعاة أُصول الأخلاق الإِسلامية عند المواجهة، فمع الأسير لابدّ من مراعاة أصول المعاملة الإِسلامية، ومع المنحرف ينبغي مراعاة الإِنصاف والأدب والتورع عن الكذب والإِتهام، وفي ميدان القتال لابدّ من التعامل على ضوء التعليمات العسكرية وفق الموازين والضوابط الإِسلامية، فمثلا: ينبغي عدم الهجوم على العزل من الأعداء، عدم التعرض للأطفال والنساء والعجزة، ولا التعرض للمواشي والمزارع لأجل إِتلافها، ولا يقطع الماء على العدو ... وخلاصة القول: تجب مراعاة أُصول العدل مع العدو والصديق (وطبيعي أن تخرج بعض الموارد عن هذا الحكم إِستثناءاً وليس قاعدة). 10 - (والذين هم محسنون). أكّد القرآن الكريم في كثير من آياته البيّنات بأن يقابل المؤمن إِساءة الجاهل بالإِحسان، عسى أنْ يخجل الطرف المقابل أو يستحي من موقفه المتشنج، وبهذه السلوكية الرائعة قد ينتقل ذلك الجاهل من (ألدّ الخصام) إِلى أحسن الأصدقاء (ولي حميم)!! وإِذا عمل بالإِحسان في محله المناسب، فإِنّه أفضل أُسلوب للمواجهة، والتأريخ الإِسلامي يرفدنا بعيّنات رائعة في هذا المجال ... ومنها: موقف معاملة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مع مشركي مكّة بعد الفتح، معاملة النّبي الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) ل- (وحشي) قاتل حمزّة، معاملته(صلى الله عليه وآله وسلم) لأسرى معركة بدر الكبرى، معاملته(صلى الله عليه وآله وسلم) مع مَنْ كان يؤذيه بمختلف السبل من يهود زمانه ... ونجد شبيه معاملة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مع الآخرين قد تجسدت عملياً في حياة علي(عليه السلام) وسائر الأئمّة(عليهم السلام)، وكل ذلك يكشف لنا بوضوح أهمية الإِحسان في حياة الإنسان من وجهة نظر الإِسلام. ومن دقيق العبارة في هذا المجال ما نجده في نهج البلاغة ضمن الخطبة المعروفة بخطبة همّام، ذلك الرجل الزاهد العابد الذي طلب من أمير المؤمنين(عليه السلام)أنْ يصف له المتقين، حيث اكتفى أمير المؤمنين(عليه السلام) بذكر الآية المباركة من مجموع القرآن وقال: (إِتق اللّه وأحسن إِنّ اللّه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)(4). ولكنّ السائل العاشق للحقِّ لم يروَ عطشه بهذا البيان المختصر، ممّا اضطر الإِمام(عليه السلام) أنْ يعرض له بياناً أكثر تفصيلا حتى استخرجت من فمه الشريف أكمل خطبة في وصف المتقين، حوت على أكثر من مائة صفة لهم، إِلاّ أنّ جوابه المختصر يبيّن أنّ الآية المباركة مختصر جامع لكل صفات المتقين. وبنظرة تأمليّة ممعنة إِلى الأصول العشرة المذكورة، تتبيّن لنا جميع الخطوط الأصليّة والفرعية لأُسلوب مواجهة المخالفين، وأنّ هذه الأُصول إِنّما احتوت كل الأُسس المنطقية والعاطفية والنفسية والتكتيكية، وكل ما يؤدي للنفوذ إِلى أعماق نفوس المخالفين للتأثير الايجابي فيها. ومع ذلك ... فالإِكتفاء بالمنطق والإِستدلال في مواجهة الأعداء وفي كل الظروف لا يقول به الإِسلام ولا يقرّه، بل كثيراً ما تدعو الضرورة لدخول الميدان عملياً في مواجهة الأعداء حتى يلزم الأمر في بعض الأحيان المقابلة بالمثل والتوسل بالقوّة في قبال ا ستعمال القوة من قبل الأعداء، وبالتدابير المبيتة في قبال ما يبيتون أُمور، ولكنْ أُصول العدل والتقوى والأخلاق والإِسلامية يجب أنْ تراعى في جميع الحالات. ولو عمل المسلمون وفق هذا البرنامج الشامل لساد الإِسلام كل أرض المعمورة أو معظمها على أقل التقادير. خاتمة مقال سورة النحل "سورة النِعَم": ممّا يلفت النظر في السورة المباركة - كما قلنا سابقاً - ذكرها لكثير من النعم الإِلهية، المادية منها والمعنوية، الظاهرية والباطنية، الفردية والإِجتماعية، ممّا دعت المفسّرين لأن يطلقوا عليها اسم (سورة النعم). وبملاحظة ودراسة آيات السورة تظهر لنا في حدود الأربعين نعمة من النعم الكبيرة والصغيرة متوزعة بين طياتها، وسنذكر أدناه فهرساً لهذه النعم مع التأكيد على أنّ الهدف من ذكرها إِنّما هو لأمرين: الأوّل: تعليم درس التوحيد وبيان عظمة الخالق. الثّاني: تقوية حب وتعلق الإِنسان بخالقه وتحريك غريزة الشكر لديه. 1 - (خلق السماوات). 2 - (والأرض). 3 - (والأنعام خلقها). 4 - الإِستفادة من صوفها وجلدها (لكم فيها دفء). 5 - (ومنافع). 6 - (منها تأكلون). 7 - الإِستفادة من جمال الإِستقلال الإِقتصادي (ولكم فيها جمال). 8 - (وتحمل أثقالكم - والخيل والبغال والحمير لتركبوها). 9 - الهداية إِلى الصراط المستقيم (وعلى اللّه قصد السبيل). 10 - (وهو الذي أنزل من السماء ماءً لكم منه شراب). 11 - إِنشاء المراعي (ومنه شجر وفيه تسيمون). 12 - (ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات). 13 - (وسخر لكم الليل والنهار). 14 - (والشمس والقمر). 15 - (والنجوم). 16 - (وما ذرأ لكم في الأرض مختلفاً ألوانه). 17 - (وهو الذي سخّر البحر لتأكلوا منه لحماً طريّاً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها). 18 - (وترى الفلك مواخر فيه). 19 - (وألقى في الأرض رواسي أنّ تميد بكم). 20 - (وأنهاراً). 21 - (وسبلا). 22 - (وعلامات) لمعرفة الطرق. 23 - (وبالنجم هم يهتدون) في معرفة الطرق ليلا. 24 - (واللّه أنزل من السماء ماءً فأحيا به الأرض بعد موتها). 25 - (نسقيكم ممّا في بطونه من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين). 26 - (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً). 27 - العسل (فيه شفاء للناس). 28 - (واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجاً). 29 - (وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة). 30 - (ورزقكم من الطيبات) بمعناها الواسع. 31 - (وجعل لكم السمع). 32 - (والأبصار). 33 - (والأفئدة). 34 - (واللّه جعل لكم من بيوتكم سكناً) وهي البيوت الثابتة. 35 - (وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً) وهي البيوت المتحركة. 36 - (ومن أطوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إِلى حين). 37 - نعمة الظلال (واللّه جعل لكم ممّا خلق ظلالا). 38 - نعمة وجود الملاجيء الآمنة في الجبال (وجعل لكم من الجبال أكناناً). 39 - (وجعل لكم سرابيل تقيكم الحرّ). 40 - (وسرابيل تقيكم بأسكم) أيْ: في الحروب. وجاء في خاتمة هذه النعم: (كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون). الهدف من ذكر النعم: لا حاجة للتنبيه على أنّ ذكر النعم الإِلهية الواردة في القرآن الكريم لا يقصد منها إِلقاء المِنّة أو كسب الوجاهة وما شابه ذلك، فشأن الباري أجلُّ وأسمى من ذلك وهو الغني ولا غني سواه. ولكنّ ذكرها جاء ضمن أُسلوب تربوي مبرمج يهدف لإِيصال الإِنسان إِلى أرقى درجات الكمال الممكنة من الناحيتين المادية والمعنوية. وأقوى دليل على ذلك ما جاء في أواخر كثير من الآيات السابقة من عبارات والتي تصب - مع كثرتها وتنوعها - في نفس الإِتجاه التربوي المطلوب. فبعد ذكر نعمة تسخير البحار، يقول القرآن في الآية (14): (لعلكم تشكرون). وبعد بيان نعمة الجبال والأنهار والسبل، يقول في الآية (15): (لعلكم تهتدون). وبعد بيان أعظم النعم المعنوية (نعمة نزول القرآن) تأتي الآية (44) لتقول: (لعلّهم يتفكّرون). وبعد ذكر نعمة آلات المعرفة المهمّة (السمع والبصر والفؤاد)، تقول الآية (78): (لعلّكم تشكرون). وبعد الإِشارة إِلى إِكمال النعم الإِلهية، تقول الآية (81): (لعلّكم تسلمون). وبعد ذكر جملة أُمور في مجال العدل والإِحسان ومحاربة الفحشاء والمنكر والظلم، تأتي الآية (90) لتقول: (لعلّكم تذكرون). والحقيقة أنّ القرآن الكريم قد أشار إِلى خمسة أهداف من خلال ما ذكر في الموارد الستة أعلاه: 1 - الشكر. 2 - الهداية. 3 - التفكّر. 4 - التسليم للحق. 5 - التذكّر. وممّا لا شك فيه أنّ الأهداف الخمسة مترابطة فيما بينها ترابطاً وثيقاً فالإِنسان يبدأ بالتفكر، وإِذا نسي تذكّر، ثمّ يتحرك فيه حس الشكر لواهب النعم عليه، فيفتح الطريق إِليه ليهتدي، وأخيراً يسلِّم لأوامر مولاه. وعليه، فالأهداف الخمسة حلقات مترابطة في طريق التكامل، وإِذا سلك السالك ضمن الضوابط المعطاة لحصل على نتائج مثمرّة وعالية. وثمّة ملاحظة، هي أنّ ذكر النعم الإِلهية بشكليها الجمعي والفردي إِنّما يراد بها بناء الإِنسان الكامل. إِلهي!! أحاطت نعمك بكل وجودنا، فغرقنا في بحر عطاياك، ولكننا لم نعرفك بعد. إِلهي!! هب لنا بصراً وبصيرة نرى بهما طريق معرفتك وحبّك، ووفقنا للسير في مراضيك وأوصلنا إِلى منزل الشاكرين حقاً. اللّهم!! أنت تعلم بحوائجنا دون غيرك، وتعلم أكثر منّا لما نريد، فَمُنَّ علينا لنكون كما تحب، واجعلنا خيراً ممّا يظن الناس إِنّك سميع مجيب. نهاية سورة النحل ﴿إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ﴾ معاصيه ﴿وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾.