وهذه المنّة واللطف الإِلهي بكم على أمل أن تعودوا إِلى أنفسكم وتصلحوا أعمالكم وتتركوا القبائح والذنوب لأنّه: (إِن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإِن أسأتم فلها).
إِنّ الآية تعبِّر عن سُنَّة ثابتة، إذ أن محصلة ما يعمله الإِنسان مِن سوء أو خير تعود إِليه نفسه، فالإنسان عندما يلحق أذىً أو سوءاً بالآخرين، فهو في الواقع يلحقه بنفسه، وإِذا عمل للآخرين، فإِنّما فعل الخير لنفسه، أمّا بنو إِسرائيل، فهم مع الأسف لم توقظهم العقوبة الأُولى، ولا نبهتهم عودة النعم الإلهية مجدداً، بل تحركوا باتجاه الإِفساد الثّاني في الأرض وسلكوا طريق الظلم والجور والغرور والتكبّر.
تقول الآية في وصف المشهد الثّاني أنّه حين يحين الوعد الالهي سوف تغطيكم جحافل من المحاربين ويحيق بكم البلاء الى درجة أنّ آثار الحزن والغم تظهر على وجوهكم: (فإِذا جاء وعد الآخرة ليسؤوا وجوهكم).
بل ويأخذون مِنكم حتى بيت المقدس: (وليدخلوا المسجد كما دخلوه أوَّل مرَّة).
وهم لا يكتفون بذلك، بل سيحتلّون جميع بلادكم ويدمرّونها عن آخرها: (وليتِّبروا ما علوا تتبيراً) وفي هذه الحالة فإِنّ أبواب التوبة الإِلهية مفتوح
﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ﴾ لأن ثوابه لها ﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ العقوبة وذكر اللام ازدواجا وروي فلها رب يغفر ﴿فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ﴾ أي بعثناهم ليجعلوا وجوهكم ظاهرة فيها آثار المساءة ﴿وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ﴾ بيت المقدس فيخربوه ﴿كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ﴾ ليهلكوا ﴿مَا عَلَوْا﴾ ما غلبوا عليه أو مدة علوهم ﴿تَتْبِيرًا﴾ وذلك بعد أن قتلوا يحيى وبقي دمه يغلي فسلط الله عليهم الفرس فقتلوا منهم ألوفا وسبوا ذراريهم وخربوا بيت المقدس.