لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سؤال: لماذا يجب أن يكون هناك مساكين وفقراء ومحرومون حتى ننفق عليهم؟ أليس من الافضل أن يعطيهم اللّه ما يريدون حتى لا يحتاجون إِلى إِنفاقنا؟ الجواب: تعتبر الآية الأخيرة بمثابة جواب على هذا السؤال: (إِنَّ ربّك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إِنَّه كان بعباده خبيراً بصيراً). إِنَّهُ اختبارٌ لنا، فالله قادر على كل شيء، ولكنَّهُ يريد بهذا الطريق تربيتنا على روح السخاء والتضحية والعطاء. إِضافة إِلى ذلك، إِذا أصبح أكثر الناس في حالة الكفاية وعدم الحاجة فإِنَّ ذلك يقود إِلى الطغيان والتمرد (إِنَّ الإِنسان ليطغى أن رآه استغنى)، لذلك مِن المفيد أن يبقوا في حد معين مِن الحاجة. هذا الحد لا يسبب الفقر ولا الطغيان. مِن ناحية أُخرى يرتبط التقدير والبسط في رزق الإِنسان بمقدار السعي وبذل الجهد (باستثناء بعض الموارد من قبيل العجزة والمعلولين)، وهكذا تقتضي المشيئة الإِلهية ببسط الرزق وتقديره لمن يشاءَ، وهذا دليل الحكمة، إِذ تقضي الحكمة بزيادة رزق مَن يسعى ويبذل الجهد، بينما تقضي بتضييقه لمن هو أقل جهداً وسعياً. العلاّمة الطباطبائي ينظر للعلاقة بين هذه الآية والتي قبلها في ضوء احتمال آخر فيقول في تفسير الميزان: "إِنَّ هذا دأب ربّك وسنته الجارية، يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر لمن يشاء، فلا يبسطه كل البسط، ولا يمسك عنهُ كل الإِمساك رعاية لمصلحة العباد، إِنَّه كان بعباده خبيراً بصيراً أو ينبغي لك أن تتخلق بخلق اللّه وتتخذ طريق الإِعتدال وتتجنب الإِفراط والتفريط"(5). بحوث أوّلاً: مَن هم المقصودون بذي القربى؟ كلمة (ذي القربى) تعني الأرحام والمقربين، وهناك كلام بين المفسّرين، حول المقصود بها، إِذ هل هو المعنى العام أو الخاص؟ ويمكن أن نلاحظ هنا بعض هذه الآراء: * البعض يعتقد أنّ المخاطب بالآية جميع المؤمنين والمسلمين، والغرض هو الحث على أداء حقوق الأقرباء. * البعض الآخر يرى أنَّ المخاطب في الآية هو الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، والغرض هو إِيصال حقوق أقرباء النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كخمس الغنائم، أو غيرها ممّا يتعلق بها الخمس. أو بصورة عامّة تأدية كل الحقوق التي لهم في بيت المال. لذلك نرى في روايات عديدة عند الشيعة والسنة إِنّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) بعث إِلى فاطمة(عليها السلام) بعد نزول هذه الآية، ووهبها فدكاً(6). ففي مصادر السنة مثلا نقرأ عن أبي سعيد الخُدري ا لصحابي المعروف: "لما نزل قوله تعالى: (وآت ذا القربى حقه) أعطى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة فدكاً"(7). ويستفاد مِن بعض الرّوايات، أنَّ الإِمام زين العابدين(عليه السلام) أثناء سيره إِلى الشام بعد واقعة كربلاء، استدلَّ بهذه الآية (وآت ذا القربى حقه) في التعريف بنفسه وأهل بيته وعيال أبيه الحسين(عليه السلام)، بأنّهم المعنيين بقوله تعالى، فيما كانَ أهل الشام يغمطونهم هذا الحق!!(8). ولكن - كما أشرنا سابقاً - ليس هناك تعارض بين هذين التّفسيرين، فالكل مكلفون بإِيتاء حقوق ذوي القربى، والرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) الذي اعتبر قائداً للأُمّة الإِسلامية مكلّف أيضاً بالعمل بهذه المسؤولية الكبيرة، فأهل بيت النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) هم في الواقع مِن أوضح مصاديق القربى له(صلى الله عليه وآله وسلم). والرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في طليعة المخاطبين بالآية الكريمة. لهذا السبب وهب الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) حقوق ذوي القربى لهم، فأعطى فاطمة فدكاً، وأجرى عليهم الأخماس وغير ذلك، حيث كانت الزكاة أموالا عامّة محرمة على أهل بيت النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وقرباه. ثانياً: مصائب الإِسراف والتبذير: لا ريب في أنَّ النعم الموجودة على الكرة الأرضية كافية لساكنيها، بشرط واحد، هو أن لا يبذروا هذه النعم بلا سبب، بل عليهم استثمارها بشكل معقول وبلا إِفراط أو تفريط، والاّ فإِنَّ هذه النعم ليست غير متناهيه حتى لو أُسيء استثمارها والتصرف بها. وقد يؤدي الإِسراف والتبذير في منطقة معينة الى الفقر في منطقة أُخرى، أو إِنَّ إِسراف وتبذير الناس في هذا الزمان يسبِّب فقر الأجيال القادمة. وفي ذلك اليوم الذي لم تكن فيه الأرقام والإِحصاءات في متناول الإِنسان، حذّر الإِسلام مِن مغبة الإِسراف والتبذير في نعم اللّه على الأرض. لذلك فالقرآن أدان في أماكن كثيرة وبشدّة المسرفين والمبذرين. ففي الآيتين (141) مِن الأنعام و(31) مَن الأعراف نقرأ قوله تعالى: (ولا تسرفوا إِنَّهُ لا يحب المسرفين). أمّا في غافر (43) فنقرأ: (وإِنّ المسرفين هم أصحاب النّار). والآية (51) مِن الشعراء تنهى عن طاعة المسرفين: (ولا تطيعوا أمر المسرفين). أمّا الآية (83) مِن يونس فتجعل الإِسراف صفة فرعونية: (وإِنَّ فرعون لعال في الأرض وإِنَّه لمن المسرفين). والهداية ممنوعة عن المسرفين كما هو مفاد الآية (28) مِن سورة غافر: (إِنَّ اللّه لا يهدي مَن هو مسرف كذّاب). وأخيراً تتحدث الآية (رقم 9) مِن سورة الأنبياء عن مصيرهم: (وأهلكنا المسرفين). وقد رأينا في الآية التي نبحثها أن اللّه تعالى جعل المسرفين إِخوان الشياطين. والإِسراف بمعناه الواسع هو الخروج وتجاوز الحد في أي عمل يقوم به الإِنسان، ولكنّها عادةً تستخدم في المصروفات. ومِن آيات القرآن نفسها نستفيد أنَّ الإِسراف هو في مقابل التقتير، بينما هناك طريق ثالث هو منزلة بين الأمرين، كما في الآية (67) مِن سورة الفرقان: (والذين إِذا أنفقوا لم يُسرفوا ولم يقتروا وكانَ بين ذلك قواماً). ثالثاً: الفرق بين الإِسراف والتبذير: في الواقع لا يوجد هناك بحث واضح عند المفسّرين في التفاوت الموجود بين الإِسراف والتبذير، ولكن عند التأمُّل بأصل هذه الكلمات في اللغة، يتبيَّن أنَّ الإِسراف هو الخروج عن حدّ الإِعتدال، ولكن دون أن نخسر شيئاً، فمثلا نلبس ثياباً ثميناً بحيث أنَّ ثمنهُ يُعادل أضعاف سعر الملبس الذي نحتاجه، أو أنّنا نأكل طعاماً غالياً بحيث يمكننا إِطعام عدد كبير مِن الفقراء بثمنه. كل هذه أمثلة على الإِسراف، وهي تُمثَّل خروجنا عن حدَّ الإِعتدال، ولكن مِن دون أن نخسر شيئاً. أمّاكلمة "تبذير" فهي تعني الصرف الكثير، بحيث يؤدي إِلى إِتلاف الشيء وتضييعه، فمثلا نهيء طعام عشرة أشخاص لشخصين، كما يفعل ذلك بعض الجهلاء ويعتبرون ذلك فخراً، حيث يرمون الزائد في المزابل. ولكن بالرغم مِن هذا التمييز، لا بدَّ مِن القول بأنَّ كثيراً ما تستخدم هاتين الكلمتين للتدليل على معنى واحد، وقد تتابعان في الجملة الواحدة لغرض التأكيد. فالإِمام علي في نهج البلاغة يقول: "ألا إِنَّ إِعطاء المال في غير حقّه تبذير وإِسراف وهو يرفع صاحبه في الدنيا ويضعهُ في الآخرة، ويكرمه في الناس ويهينهُ عند اللّه". وفي الآيات التي بحثناها رأينا أن الإِسلام يحث كثيراً على عدم الإِسراف والتبذير إِلى درجة أنّه نهى عن الإِسراف في ماء الوضوء حتى إِذا كان ذلك قرب نهر جار; وحتى في نوى التمر. وعالم اليوم الذي بدأ يتحسّس الضائقة في بعض الموارد. أخذ يهتم بهذه الفكرة، حتى بات يستفيد مِن كلَّ شيء، فهو مثلا يستفيد مِن فضولات المنازل في صنع السماد، ومِن ماء المجاري لسقي المزروعات، لأنَّهُ أحسَّ أنَّ المصادر الطبيعية محدودة، لذا لا يمكن التفريط بها بسهولة، وإِنّما ينبغي الإِستفادة مِنها ضمن ما يعرف ب- "دورة المصادر الطبيعية". رابعاً: هل ثمّة تعارض بين الإِعتدال في الإِنفاق والإِيثار؟ مع الأخذ - بنظر الإِعتبار - الآيات أعلاه والتي تؤكّد ضرورة الإِعتدال في الإِنفاق، يثار سؤال مؤدّاه، إِنَّ في سورة الدهر مثلا، وآيات أُخرى، وفي مجموعة مِن الأحاديث والرّوايات، ثمّة إشادة بالمؤثرين الذين يؤثرون غيرهم على أنفسهم في أحلك الساعات وأشدّ الظروف ويعطون ما يملكون للآخرين، فكيف يا تُرى نوفّق بين هذين المفهومين؟ إِنَّ الدقة في سبب نزول هذه الآيات مع قرائن أُخرى تفيدنا في الوقوف على جواب هذا السؤال، إِذ يكون الأمر بمراعاة الإِعتدال في المجالات التي يكون فيها العطاء والهبات الكثيرة سبباً لاضطراب الإِنسان في حياته أو بمصطلح القرآن يصبح فيها (ملوماً محسوراً) وكذلك إِذا كانَ الإِيثار سبباً في التضييق على أبنائه أو أنَّهُ يهدِّد تركيبة عائلته. وإِذا لم يقع أي مِن هذين المحذورَيْن، فإِنَّ الإِيثار يُعتبر أفضل السُبل، نضيف إِلى ذلك أنَّ الإِعتدال في الإِنفاق يُعتبر حكماً عاماً، بينما الإِيثار يعتبر حكماً خاصاً يرتبط بمصاديق خاصّة، وليس ثمّة تضاد بين الأثنين. ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ﴾ يوسعه ويضيقه بمشيئته بحسب المصلحة ﴿إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ عالما بسرهم وعلنهم وما يصلحهم من وسعة وتقتير.