من أجل التأكيد أكثر على أن كل هذه التعليمات انما تصدر من الوحي وتتسم بالحكمة ، تقول الآية ( .ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ )
أن استخدام كلمة (الحكمة)هي اشارة الى ان هذه التعاليم والنواهي برغم كونها وحيا سماويا الهيا ،الا انها في نفس الوقت يمكن ادراكها بميزان العقل.
والا فمن يستطيع ان ينكر – عقلا- قباحة الشرك او القتل او ايذاء الوالدين او قبح الزنا والتكبر والغرور ، وظلم اليتامى والعواقب السيئة لنقض العهود وما الى ذلك؟
بتعبير آخر ان هذه التعاليم ثابتة عن طريق العقل كما هي ثابتة عن طريق الوحي الإلهي. وعادة ما تكون جميع الأحكام الإلهية على هذه الشاكلة ، بالرغم أن الإنسان لا يستطيع في كثير من الأحيان أن يشخص انسجام جزئيات الأحكام الإلهية مع العقل بحكم عدم كماله ، ويبقى بعد ذلك الوحي هو المجال الوحيد لمصداقية دركها والإيمان بها.
بعض المفسرين استفاد من كلمة (حكمة) على أساس أن الأحكام المتعددة في الآيات السابقة تعتبر من الأحكام الثابتة التي لا تقبل النسخ في جميع الأديان السماوية ، اذ لا يمكن – في أي شريعة الهية – اعتبار الشرك وقتل النفس والزنا ونقض العهود امورا جائزة .لذلك فان هذه الأحكام تعتبر من المحكمات والقوانين الثابتة.
بعد ذلك ينتهي الحديث عن مجموعة هذه الأحكام بنفس البداية التي انطلق منها، حيث يقول تعالى :( وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا اخر ) لماذا؟ لأن المصير سيكون(فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا ) وفي الحقيقة، ان الشرك هو أساس جميع الإنحرافات والجرائم والذنوب ، لذلك فان هذه المجموعة من الأحكام بدأت بالشرك وانتهت به.
بنات الله
﴿ذَلِكَ﴾ المذكور ﴿مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ﴾ الكلام المحكم الذي لا دخل فيه للفساد ﴿وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ كرر إيذانا بأن التوحيد رأس الحكمة وملاكها ﴿فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا﴾ لنفسك أو غيرها ﴿مَّدْحُورًا﴾ مطرودا من رحمة الله.