سبب النّزول
تذرّع جمع من المنافقين بحرارة الجو لإلقاء التفرقة في صفوف المسلمين، فلم يكونوا يشتركون في صلاه الجماعة، فتبعهم آخرون وأخذوا يتخلّفون عن صلاة الجماعة، فقلّ بذلك عدد المصلّين، فتألّم النبي (ص) لذلك كثيراً حتّى أنّه هدّدهم بعقاب أليم، وفي حديث عن زيد بن ثابت قال: إنّ رسول الله (ص) كان يؤدّي صلاة الظهر جماعة والحرّ على أشدّه ممّا كان يثقل على أصحابه كثيراً بحيث أنّ صلاة الجماعة أحياناً لم تتجاوز صفاً واحداً أو صفّين، فهنا هدّد النبي(ص) هؤلاء المنافقين ومن لم يشترك صلاة الجماعة بإحراق منازلهم، فنزلت الآية أعلاه وبيّنت أهميّة صلاة الظهر جماعةً بصورة مؤكّدة(1).
وهذا التأكيد يدلّ على أنّ مسألة عدم المشاركة في صلاة الجماعة لم تكن بسبب حرارة الجو فقط، بل أنّ جماعة أرادوا تضعيف الإسلام بهذه الذّريعة وإيجاد الفرقة في صفوف المسلمين بحيث دعى النّبي (ص) إلى أن يتّخذ مثل ذلك الموقف الحازم من هؤلاء.
التّفسير
أهميّة الصّلاة وخاصّةً الوسطى:
بما أن الصلاة أفضل وسيلة مؤثرة تربط بين الإنسان وخالقه، وإذا اُقيمت على وجهها الصحيح ملأت القلب بحبّ الله واستطاع الإنسان بتأثير أنوارها أن يتجنّب الذنوب والتلوّث بالمعصية، لذلك ورد التأكيد في آيات القرآن الكريم عليها، ومن ذلك ما ورد في الآية محل البحث حيث تقول: (حافظوا على الصلاة والصلوات الوسطى وقوموا لله قانتين).
فلا ينبغي للمسلمين أن يتركوا هذا الأمر المهم بحجّة البرد والحرّ ومشكلات الحياة ودوافع الزوجة والأولاد والأموال.
أمّا ما هو المراد بقوله (الصلـوة الوسطى)؟ ذكر المفسّرون معان مختلفة للمراد من الصلواة الوسطى، وذكر صاحب تفسير مجمع البيان ستّة أقوال، والفخر الرّازي ذكر في تفسيره سبعة أقوال، وبلغ بها القرطبي في تفسيره إلى عشرة أقوال، أمّا تفسير روح المعاني فذكر لها ثلاثة عشر قولاً.
فالبعض يرى أنّها صلاة الظهر، وآخر صلاة العصر، وبعض صلاة المغرب،وبعض صلاة العشاء، وبعض صلاة الصبح، وبعض صلاة الجمعة، وبعض صلاة اللّيل أو خصوص صلاة الوتر، وذكروا لكلّ واحد من هذه الأقوال أدلّة وتوجيهات مختلفة، ولكنّ القرائن المختلفة المتوفّرة تثبت أنّها صلاة الظهر، لأنّها فضلاً عن كونها تقع في وسط النّهار، فإنّ سبب نزول هذه الآية يدلّ على أنّ المقصود بالصّلاة الوسطى هو صلاة الظهر التي كان الناس يتخلّفون عنها لحرارة الجو، كما أنّ هناك روايات كثيرة تصرّح بأنّ الصلاة الوسطى هي صلاة الظّهر(2).
والتأكيد على هذه الصّلاة كان بسبب حرارة الجو في الصّيف، أو بسبب انشغال الناس في اُمور الدنيا والكسب فلذلك كانوا لا يعيرون لها أهميّة، فنزلت الآية آنفة الذكر تبيّن أهميّة صلاة الوسطى ولزوم المحافظة عليها(3).
(قانتين) من مادّة (قنوت) وتأتي بمعنيين.
1- الطاعة والإتّباع.
2- الخضوع والخشوع والتّواضع.
ولايبعد أن يكون المعنيان مرادين في هذه الآية، كما ورد في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير الآية (وقوموا لله قانتين) قال: "إقبال الرّجل على صلاته ومحافظته على وقتها حتّى لا يلهيه عنها ولايشغله شيء".
﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ قَانِتِينَ﴾ بأدائها لأوقاتها بحدودها ﴿والصَّلاَةِ الْوُسْطَى﴾ واختلف فيها وبكل واحدة من الخمس قائل والأشهر الأقوى عندنا أنها الظهر في غير الجمعة والجمعة يوم الجمعة ﴿وَقُومُواْ لِلّهِ﴾ داعين أو ذاكرين أو خاشعين.