القرآن في إجابته على هؤلاء يبيّن أنَّ قضية بعث عظام الإِنسان سهلة وممكنة، بل وأكثر من ذلك، فحتى لو كنتم (أو خلقاً ممّا يكبر في صدوركم) فإنَّ البعث سيكون مصيركم.
مِن الواضح أنَّ العظام بعد أن تندثر وَتتلاشى تتحول إِلى تُراب، والتراب فيه دائماً آثار الحياة، إِذ النباتات تنمو في التربة، والأحياء تنمو في التراب، وأصل خلقه الإنسان هي من التراب، وَهذَا كلام مُختصر على أنَّ التراب هو أساس الحياة.
أمّا الحجارة أو الحديد أو ما هو أكبر مِنهما تحدّى بِهِ القرآن مُنكرِى المعاد، فإنَّ كل هَذِهِ أُمور بينها وَبين الحياة بونٌ شاسع، إذ لا يمكن للنبات مثلا أن ينبت في الحديد أو الضحور أمّا القرآن فيبيّن أن لا فرق عِند الخالق جلَّ وَعلا، مِن أي مادة كنتم، إذ أنّ عودتكم إِلى الحياة بعد الموت تبقى ممكنة، بل وَهي المصير الذي لابدَّ وأن تنتهون إِليه.
إِنَّ الأحجار تتلاشى وَتتحول إِلى تراب، وأصل الحياة ينبع مِن هَذا التراب.
الحديد هو الآخر يتلاشى وَيتفاعل مَع باقي الموجودات على الكرة الأرضية ليدخل في أصل مادتها وَفي تركيبها الترابي الذي هو أيضاً أصل الحياة الذي تنبع مِن داخله وَمِن مادته الموجودات الحيَّة.
وَهكذا تحتوي جميع موجودات الكرة الأرضية بما فيها الإِنسان، في بنائها وَتركيبها على خليط مِن الفلزات واللافلزات.
وَهَذا التحوُّل والتغيُّر في حركة الموجودات، دَليل على أنَّ جميع مخلوقات عالم الوجود لها قابلية التحوُّل إِلى موجود حَيّ باختلاف واحد يقع في الدرجة والمرحلة، إِذ بعضها يكون في مرتبة أقرب إِلى الحياة مِثل التراب، بينما بعضها الآخر يكون في مرتبة أبعد مِثل الحجارة والحديد.
السؤال التشكيكي الآخر الذي يُثيره مُنكرو المعاد هو: إِذا سلَّمنا بأنَّ هَذِهِ العظام المُندثرة المتلاشية يُمكن أن تَعود إِلى الحياة، فمن يستطيع أن يقوم بهَذا الأمر; وَمَن الذي لهُ قدرة القيام بهَذِهِ العملية المعقَّدة للغاية؟
هَذا السؤال تصوغه الآية بالقول على لسان المنكرين: (فسيقولون مَن يُعيدنا) القرآن يجيب على هَذا السؤال حيث يقول: (قل الذي فطركم أوَّل مَرَّة).
إذا كانَ شككم في (القابلية) فقد كنتم تراباً في أوّل الأمر، فما المانع أن تصيرون تراباً، ثمّ يعيدكم مَرَّةً أُخرى إِلى الحياة مِن نفس التراب؟!
وإِذا كان شككم في (الفاعلية) فإنَّ الخالق الذي خلقكم في البداية مِن تراب يستطيع مرّة أُخرى أن يكرِّر هَذا العمل لأنَّ: "حكم الأمثال فيما يجوز وَفيما لا يجوز سواء".
بعد الإنتهاء مِن الشك الأوّل والثّاني الذي يطلقهُ المنكرون للمعاد، تنتقل الآيات إِلى الشك الثّالث الذي تصوغُهُ على لسانهم بِهَذا السؤال: (فسينغضون إِليك رؤوسهم وَيقولون مَتى هو).
"سينغضون" مشتقّة مِن مادة "إنغاض" بمعنى مدّ الرأس نحو الطرف المقابل بسبب التعجُّب.
ما يقصده هؤلاء مِن سؤالهم - في الواقع - هو قولهم: لو اعترفنا بقدرة الخالق على إعادة بعث الإِنسان مِن التراب مِن جديد، فإنَّ هذا يبقى مجرّد وَعد لا ندري مَتى يتحقق، إِذا كانَ سيحصل هَذا في آلاف أو ملايين السنين القادمة فما تأثيره في يومنا هَذا ... إِنَّ المهم أن نتحدَّث عن الحاضر لا عن المستقبل!!
ويجيب القرآن بقوله: (قل عسى أن يكون قريباً) إِن يوم المعاد - طبعاً - قريب، لأنَّ عمر العالم والحياة على الأرض، مهما طالت، فإنّها في قبال الحياة الأبدية تعتبر لا شيء، إذ هي مجرّد لحظات سريعة وَعابرة وسرعان ما تنتهي.
إضافة إِلى ذلك، فإِنَّ القيامة إِذا كانت في تصوراتنا المحدودة بعيدة فإنَّ مقدمة القيامة والتي هي الموت، تعتبر قريبة منّا جميعاً، لأنَّ الموت هو القيامة الصغرى (إذا ماتَ الإِنسان قامت قيامته)، صحيح أنَّ الموت لا يمثل القيامة الكبرى، وَلكنَّه علامة عليها ومذكّر بها.
كما إنَّ استخدام كلمة "عسى" في الآية الشريفة هو إشارة إِلى أنَّ لا أحد يعرف - وَبدقة - متى تقوم القيامة؟ حتى شخص الرّسول(ص)، وَهَذا الأمر هو مِن أسرار الكون والخليفة التي لا يعلمها سوى الله تبارك و تعالى.
﴿أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ﴾ يعظم عندكم عن قبول الحياة فضلا عن العظام الرفات فإن الله لا يعجز عن إحيائكم ﴿فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا﴾ يحيينا ﴿قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ﴾ خلقكم ﴿أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ فإن من قدر على البدء فهو على الإعادة أقدر ﴿فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ﴾ يحركون نحوك ﴿رُؤُوسَهُمْ﴾ تعجبا واستهزاء ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ﴾ أي البعث ﴿قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا﴾ فإن ما هو آت قريب.