لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
بعد ذلك تضيف الآية مذكِّرة أمثال هؤلاء بأنّكم هل تظنون أنّ هذه هي المرّة الأخيرة التي تحتاجون فيها إِلى السفر في البحر: (أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أُخرى فيرسل عليكم قاصفاً مِن الريح فيغرقكم بما كفرتم ثمّ لا تجدوا لكم علينا بِهِ تبيعاً)، أي لا أحد حينئذ يطالب بدمكم و يثأر لكم منّا. بحوث 1 - الشّخصية المتقلّبة إِنَّ الكثير مِن الناس لا يذكرون الله إِلاَّ عِندَ بروز المشاكل. وَينسونه في الرخاء، إِنَّ نسيان الله في حياة هؤلاء هو القاعدة والأصل، أي أنّه صار طبيعة، ثانية لهؤلاء، لذا فإنَّ ذكر الله بالنسبة لهؤلاء والإِلتفات إِلى وَقائع الحياة الحقَّة تعتبر حالة إستثنائية في وجودهم، تحتاج في حضورها إِلى عوامل إضافية، فما دامت هَذِهِ العوامل الإِضافية موجودة فهم يذكرون الله، أمّا إِذا زالت فسوف يرجعون إِلى طبيعتهم المنحرفة وَينسون الله. والخلاصة، أنّنا لا نجد من الناس بصورة عامّة مَن لا يلجأ إِلى الله وَلا يخضع له عِندما تضغطه المشاكل الحادَّة والصعبة، وَلكن ينبغي أن نعرف أن الوعي وذكر الله تعالى في مثل هذه الظروف في مثل هذه والذي نستطيع أن نصفهُ بالوعي الإِجباري، هو وعي عديم الفائدة. إِنَّ المؤمنين والمسلمين الحقيقيين، يذكرون الله في الراحةِ والبلاء والسلامة والمرض والفقر والغنى، في السجن وعلى كرسى الحكم، وَفي أي وَضع كان. إِنَّ تغيير الأوضاع وَتبدُّل الحالات لا يغيِّر هؤلاء. إِنَّ أرواحهم كبيرة بحيث تستوعب كل هَذِهِ الأُمور، مَثلهم في ذلك علي بن أبي طالب(ع)، حيثُ كانت عبادته وَزهده وَمُتابعته لأُمور الفقراء لا تختلف عِندَ وجوده في السلطة، أو عندما كان جليس بيته. أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) - يقول في وَصف المتقين: "نَزَلت أنفسهم مِنهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء"(2). وخلاصة القول: إِنَّ الإِيمان والإِرتباط بالله وَعبادته والتوسل بهِ والتوبة إِليه والتسليم له سبحانه وَتعالى، كل هَذِهِ الأُمور تكون مهمّة وَثمينة وَذات أثر عِندما تكون دائمية وَثابتة، أمّا الإِيمان الموسمي والتوبة والعبادات الموسمية، والتي تفرضها حالات خاصّة يمرّ بها الإنسان وَيبغي مِن خلالها جلب بعض المنافع له، فليسَ لها أثر وَلا قيمة. والآيات القرآنية توبخ أمثال هؤلاء الأشخاص دائماً. 2 - لا يمكن الهروب مِن حكومة الله البعض يتوجه إِلى الله (مِثل عبدة الأصنام في الجاهلية) عِندما يكون في وَسط البحر أو عِندما يكون على هاوية السقوط والخطر أو في حالِ مرض شديد، في حين أنّنا إِذا فكَّرنا بشكل صحيح نرى أنَّ الإِنسان معرض للخطر والضرر في كل الأزمنة والحالات والأوقات، فالبحر والبر والصحراء والمرض والهاوية وَغيرها، هي في الواقع مُتساوية الخطورة. إِنَّ هزة أرضية واحدة يمكنها أن تدمِّر بيتنا الآمن الهاديء، وإِنَّ تخثراً بسيطاً في الدم يمكنُه أن يغلق مسير الدم في الشريان الأبهر فيؤثر على القلب أو على الدماغ فتحدث السكتة القلبية أو الدماغية، وَبعد ثانية واحدة يكون الموت هو المصير المحتوم. مَع وجود كل هَذِهِ الأُمور نعلم أنّ الغفلة عن الله تعالى كم هي مجانبة للصواب!! قد يقوم هُنا أنصار نظرية تعليل الإِيمان - والدين بشكل عام - على أساس الخوف، بتبرير هَذِهِ الحالة بقولهم: طالما أنَّ الخوف في الإِنسان غريزي وَفطري، فإِنَّ خوفه مِن العوامل الطبيعية يجعل الإِنسان يتوجه نحو الخالق. وَمثل هَذِهِ الحالات والأوضاع التي تحدثت عنها الآيات تدعم هَذا التصوّر وَتعضده. الآيات القرآنية أجابت على هَذِهِ الأوهام، إِذ أبانت أنَّ القرآن لم يجعل - أبداً - معرفة الخالق قائمة على هَذِهِ الأُمور، بل إِنَّ الأساس هو قراءة في نظام الكون والوجود ومعرفة الله تعالى مِن خلال هَذا الخلق. وَحتى في الآيات أعلاه نرى أنّها ذكرت أوّلا الإِيمان الإِستدلالي قبل ذكر التوحيد والإِيمان الفطري، وَفي الواقع فإنّها تعتبر هَذِهِ الحوادث بمثابة تذكير بالخالق لا مِن أجل معرفته، إِذ أن معرفته لطلاب الحق تتوضح مِن خلال أسلوب الإِستدلال وَعن طريق الفطرة. ثالثاً: معاني الكلمات "يزجي" مأخوذة مِن "إِزجاء" وَهي تعني تحريك شيء ما بشكل مستمر. "حاصب" تعني الهواء الذي يحرّك معهُ الأحجار الصغيرة ثمّ تضرب الواحدة بعد الأُخرى مكاناً معيناً، وَهي مُشتقّة أصلا مِن (حصباء) التي تعني الأحجار الصغيرة (الحصى). "قاصف" بمعنى المحطّم، وَهي هُنا تشير إِلى العاصفة الشديدة التي تقلع كل شيء مِن مكانه. "تبيع" بمعنى تابع، وَهي تشير هُنا إِلى الشخص الذي ينهض للمطالبة بالدم، وَثمن الدم والثأر وَيستمر في ذلك. ﴿أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ﴾ في البحر ﴿تَارَةً أُخْرَى﴾ بأن يحوجكم إلى ركوبه فتركبوه ﴿فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا﴾ كاسرا شديدا ﴿مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ﴾ بكفركم ﴿ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا﴾ تابعا مطالبا بثاركم أو دافعا عنكم.