سبب النّزول
لقد ذكرت أسباب مُختلفة لِنزول هذه الآيات، إِلاَّ أَنَّ بعض هذه الأسباب لا يتلائم مع تأريخ النّزول، وبما أن أسباب النّزول هذه قد أفاد مِنها بعض المنحرفين لأغراض خاصّة، لذلك سوف نقوم هنا بذكرها جميعاً:
ذكر العلاّمة الطبرسي في (مجمع البيان) خمسة آراء في هذا المجال، وهي: الرأي الأوّل: قالت قريش للرّسول(ص): لا ندعك تلمس الحجر الأسود حتى تحترم آلهتنا، وقال الرّسول في قلبه: إِنَّ الله يعلم نفرتي مِن أصنامهم وإِنكاري لها، فما المانع مِن أن أنظر إِلى هذه الآلة باحترام ظاهراً حتى يسمحوا لي باستلام الحجر الأسود.
وهنا أنزل الله تبارك وتعالى الآيات أعلاه التي نهت الرّسول عن هذا الأمر.
الرأي الثّاني: اقترحت قريش على رسول اللّه(ص) أن يترك الإِستهانة بآلهتهم والإِستخفاف بعقولهم، وأن يبعد عنهُ العبيد مِن أصحابه وذوي الأُصول المتواضعة، والرائحة الكريهة، لكي تحضر قريش مجلسهُ(ص) ويستمعون إِليه، فطمع الرّسول(ص) في إِسلامهم، فنزلت الآيات أعلاه تحذّر مِن هذا الأمر.
الرأي الثّالث: عندما حطَّم الرّسول(ص) الأصنام التي كانت موجودة في المسجد الحرام، اقترحت قريش عليه أن يبقي الصنم الموضوع على جبل المروة قرب بيت اللّه، فوافق الرّسول(ص) في البداية على هذه الإِقتراح لكي يحقق مِن خلاله بعض مصالح الدعوة، إِلاَّ أنَّهُ بعد ذلك عدل عن هذا الأمر وأعطى أوامره(ص) بتحطيم هذا الصنم، وعندما نزلت الآيات أعلاه.
الرأي الرّابع: إِنَّ مجموعة مِن قبيلة (ثقيف) وفدت على النّبي الأكرم(ص)وعرضت عليه ثلاثة شروط لمبايعته، وكانَ شرطهم، الأوّل: أن لا يركعوا ولا يسجدوا عِند الصلاة، وثانياً: أن لا يحطموا أصنامهم بأيديهم بل يقوم الرّسول(ص) بذلك.
أمّا الشرط الثّالث: فقد طلبوا فيه مِن رسول(ص) أن يسمح لهم ببقاء صنم (اللات) بينهم لمدّة سنة.
وقد أجابهم الرّسول(ص) بأن لا فائدة في دين لا ركوع ولا سجود فيه، وأمّا تحطيم الأصنام فإِذا كُنتم ترغبون في القيام بذلك فافعلوا، وإِلاَّ فنحن نقوم به، أمّا الإِستمرار في عبادة اللات لسنة أُخرى، فلا أسمح بذلك.
بعد ذلك قام رسول الله(ص) وتوضأ، فالتفت عمر بن الخطاب وقالم: ما بالكم آذيتم رسول الله(ص) إِنَّهُ لا يدع الأصنام في أرض العرب.
إِلاَّ أنَّ ثقيف أصرّت على مطالبها، حتى نزلت الآيات الآنفة.
الرأي الخامس: إِنَّ وفد ثقيف طلب مِن رسول الله(ص) أن يمهلهم سنة حتى يستلموا الهدايا المرسلة إِلى الأصنام، وبعد ذلك يكسرون الأصنام ويسلمون، فهمَّ رسول الله(ص) بإِمهالهم وإِجابتهم إِلى ما أرادوا لولا نزول الآيات أعلاه التي نهت عن إِجابة طلبهم بشدَّة.
وهناك أسباب أُخرى للنزول تشبه الآراءِ التي ذكرناها.
أقول: لا حاجة لبيان ضعف هذه الآراء إِذ أنَّ بطلان أكثر هذه الآراء كامن فيها، لأنّ مجيء وفود القبائل إِلى رسول الله(ص) وطلباتهم وتحطيم الأصنام، كل هذه الأُمور إِنّما تمّت بعد فتح مكّة في العام الثّامن للهجرة، في حين أنَّ هذه السورة نزلت قبل هجرة الرّسول، وفي وقت لم يكن فيه(ص) يمتلك القدرة الظاهرية التي تفرض على المشركين التواضع لمقامه، وسوف نقوم بتوضيح أكثر لا حقّاً.
التّفسير
بما أنَّ الآيات السابقة كانت تبحث حول الشرك والمشركين، لذا فإِنَّ الآيات التي نبحثها تحذَّر الرّسول(ص) مِن وساوس وإِغواءات هذه المجموعة، حيث لا يجوز أن يُبدي أدنى ضعف في محاربة الشرك وعبادة الأصنام، بل يجب الإِستمرار بصلابة أكبر.
في البداية تقول الآية أنّ وساوس المشركين كادت أن تؤثر فيك: (وإِن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إِليك لِتفتري علينا غيره وإِذاً لا تخذوك خليلا).
﴿وَإِن﴾ مخففة أي الشأن ﴿كَادُواْ﴾ قاربوا ﴿لَيَفْتِنُونَكَ﴾ يستنزلونك واللام فارقة ﴿عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ من الأحكام ﴿لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ﴾ غير ما أوحينا إليك ﴿وَإِذًا﴾ لو اتبعت مرادهم ﴿لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً﴾ وليا لهم.