لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وبعد أن ذكرت الآيات (الصدق) و (التوكل) جاءَ بعدها الأمل بالنصر النهائى، والذي يعتبر بحدِّ ذاته عاملا للتوفيق في الأعمال، إِذ خاطبت الآية الرّسول(ص) بوعد الله تعالى: (وقل جاءَ الحق وزهق الباطل)(7)، لأنَّ طبيعة الباطل الفناء والدمار: (إِنَّ الباطل كان زهوقاً). فللباطل جولة، إِلاَّ أنَّهُ لا يدوم والعاقبة تكون لإِنتصار الحق وأصاحبه وأنصاره. بحوث 1 - صلاة اللّيل عبادة روحية عظيمة إِنَّ التأثيرات المختلفة لضوضاء الحياة اليومية تؤثر على الإِنسان وعلى أفكاره وتجرّه إِلى وديان مُختلفة بحيث يصعب معها تهدئة الخاطر، وصفاء الذهن، والحضور الكامل للقلب في مثل هذا الوضع. أمّا في منتصف الليل وعند السحر عندما تهدأ هذه ضوضاء حياتيه المادية، ويرتاح جسم الإِنسان، وتهدأ روحه بعد فترة مِن النوم، فإِنَّ حالةً مِن التوَّجه والنشاط الخاص تُخالج الإِنسان، في مثل هذا المحيط الهاديء والبعيد عن كل أنواع الرياء، مع حضور القلب، يعيش الإِنسان حالة خاصّة قادرة على تربيته وتكامل روحه. لهذا السبب نرى أن عباد الله ومحبيه يتوقون إِلى التعبُّد مِنتصف الليل، لأنَّهُ يزكّي أرواحهم، ويحيي قُلوبهم، ويقوي إِرادتهم، ويكمل إِخلاصهم. وفي بداية عصر الإِسلام كان الرّسول الله(ص) يستفيد مِن هذا البرنامج الروحي في تربية المسلمين، وكانت يبني شخصياتهم بحيث كانوا يتغيّرون تماماً عمّا كانوا عليه في السابق، يعني أنَّهُ(ص) كان يجعل مِنهم شخصيات جديدة ذات إِرادة قوية وشجاعة، ومؤمنين ذوي إِخلاص ونقاء. وقد يكون (المقام المحمود) الذي ورد ذكره في الآيات أعلاه نتيجة لصلاة الليل، إِشارة لهذه الحقيقة. وعندما نبحث الرّوايات الواردة في المصادر الإِسلامية عن فضيلة صلاة الليل، نرى أنّها توضح هذه الحقيقة. وعلى سبيل المثال يمكن أن نقف مع هذه النماذج: 1 - عن الرّسول (ص) قال: "خيركم مَن أطابَ الكلام وأطعم الطعام وصلّى بالليل والناس نيام"(8). 2 - وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، أنَّهُ (ع) قال: "قيام الليل مصحة للبدن، ومرضاة للرّب عزَّوجلّ، وتعرّض للرحمة، وتمسك بأخلاق النّبيين"(9). 3 - وعن الإِمام الصادق (ع) أنَّهُ أوصى أحد أصحابه بقوله: "لا تدع قيام الليل فإِنَّ المغبون مَن حُرِمَ قيام الليل"(10). 4 - وعن رسول الله(ص) قال: "مَن صلّى بالليل حَسُنَ وجههُ بانهار"(11). ونقرأ في بعض الرّوايات أنّ هذه العبادة (صلاة الليل) على قدر مِن الأهمية بحيث أنَّ غير الطاهرين والمحسنين لا يوفقون إِليها. 5 - جاء رجل إِلى أمير المؤمنين علي (ع) وقال لهُ: إِنّي محروم مِن صلاة الليل، فأجابه(ع): "أنت رجل قد قيدتك ذنوبك"(12). 6 - في حديث آخر عن الإِمام الصادق (ع) قال: "إِنَّ الرجل ليكذب الكذبة ويحرم بها صلاة الليل، فإِذا حرم بها صلاة الليل حُرِمَ بها الرّزق"(13). 7 - وبالرغم مِن أننا نعلم أن شخصاً مِثل علي بن أبي طالب لا يترك صلاة الليل أبداً، ونظراً لأهمية هذه الصلاة نرى رسول الله(ص) أوصاهُ بها في جملة مِن وصاياه لهُ، إِذ قال له(ص): "أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها، ثمّ قال: اللهم أعنهُ ... وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الليل!"(14). 8 - وعن الرّسول الأكرم (ص) أنَّهُ قال لجبرئيل(ع): عظني، فقال جبرائيل لرسول الله (ص): يا محمّد، عش ما شئت فإِنّك ميت، وأحبب ما شئت فإِنّك مفارقه، واعمل ما شئت فإِنّك ملاقيه، واعلم أنَّ شرف المؤمن صلاته بالليل، وعزَّه كفُّه عن أعراض النّاس"(15). إِنَّ هذه الوصايا الملكوتية لجبرائيل تدل على أنَّ صلاة الليل تضفي على الإِنسان من الإِيمان والروحانية وقوة الشخصية ما يكون سبباً في شرفه كما أن كفّه الاذى عن الآخرين يكون سبباً في عزته. 9 - عن الإمام الصّادق(ع) قال: "ثلاثة هنّ فخر المؤمن وزينة في الدنيا والآخرة، الصّلاة في آخر الليل ويأسه ممّا في ايدي الناس ووالاية الإمام من آل محمّد". 10 - عن الإِمام الصادق(ع) قوله: "ما مِن عمل حسن يعملهُ العبد إِلاَّ ولهُ ثواب في القرآن إِلاَّ صلاة الليل، فإِنَّ الله لم يبيّن ثوابها لعظيم خطرها عنده فقال: تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربِّهم خوفاً وطمعاً (وممّا رزقناهم يُنفقون * فلا تعلم نفسٌ ما أخفي لهم مِن قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون)(16). ولصلاة اللّيل - بالطبع - آداب كثيرة، وَلكن لا بأس أن نذكر هُنا أبسط شكل لها، حتى يستطيع عشاق وَمحبّو هَذِهِ العبادة الروحية بها والإِستفادة مِنها: وإنّ صلاة الليل تتكون بأبسط صورها مِن (85) ركعة، وهي مقسمة إِلى ثلاثة أقسام هي: أ - أربع صلوات، ذات رُكعتين، يكون مجموعها ثماني رُكعات وتسمّى(نافلة الليل). ب - صلاة واحدة ذات ركعتين، وتسمّى بـ (الشفع). ج - صلاة واحدة ذات ركعة واحدة، وتسمّى بـ (الوتر). أمّا طريقة أداء هذه الصلاة فهي لا تختلف عن صلاة الصبح، إِلاَّ أنّها لا تحتوي على الأذان والإِقامة، والأفضل إِطالة قنوت ركعة الوتر(17). 2 - ما هو المقام المحمود؟ المقام المحمود - كما هو واضح مِن اسمه - لهُ معنى واسع بحيث يشمل كل مقام يستحق الحمد، ولكن من المسلّم بأن المقصود بهِ هنا، هو الإِشارة إِلى المقام الممتاز والخاص الذي اختص بهِ رسول الله(ص) وبسبب عباداته الليلية ودعائه في وقت السحر. والمعروف بين المفسّرين - كما قلنا سابقاً - أنَّ هذا المقام هو مقام الشفاعة الكبرى للرّسول(ص). وهذا التّفسير ورد في روايات مُتعدِّدة، ففي تفسير العياشي عن الإِمام الصادق أو الباقر(عليهما السلام)، نقرأ في تفسير قوله تعالى: (عسى أن يبعثك ربّك مقاماً محموداً) أنَّه قال: "هي الشّفاعة". وقد حاول بعض المفسّرين الوصول إِلى هذه الحقيقة مِن مفهوم الآية نفسها، فهم يعتقدون أنّ جملة (عسى أن يبعثك) دليل على أنَّ الله سوف يعطيك هذا المقام في المستقبل. المقام الذي سوف يحمده الجميع، لأنَّ فائدته سوف تنال الجميع (لأنَّ محمود في الجملة أعلاه جاءت مطلقة غير مقيدة بشرط). إِضافة إِلى ذلك فإِنَّ الحمد في مقابل عمل معين هو أمر اختياري، والشيء الذي يحتوي على جميع هذه الصفات لا يمكن أن يكون سوى الشفاعة الكبرى والعامّة لرسول الله(ص)(18). وهناك احتمال أن يكون المقام المحمود هو أقصى القرب مِن الخالق عزَّوجلّ، والذي تكون إِحدى آثاره هي الشفاعة الكبرى. (فتأمل ذلك). وبالرغم مِن أنَّ المخاطب في هذه الآية - ظاهراً - هو رسول الله(ص)، إِلاَّ أنَّهُ يمكن تعميم الحكم والقول بأنَّ جميع الأشخاص المؤمنين الذين يقومون ببرنامج التلاوة وصلاة الليل لهم نصيب في هذا المقام المحمود، وسوف يقتربون مِن الساحة الإِلهية بمقدار إِيمانهم وعملهم، وبنفس المقدار سوف يقومون بالشفاعة للآخرين. إِنّنا نعلم أنَّ أي مؤمن وبمقدار إِيمانه لهُ نصيب مِن مقام الشفاعة، إِلاَّ أنَّ المصداق الأتم والأكمل لهذه الآية هو شخص الرّسول(ص). 3 - العوامل الثّلاثة للإِنتصار في ميادين الصراع بين الحق والباطل يكون جيش الباطل - عادةً - ذا عدّة وعدد أكثر، إِلاَّ أن جيش الحق - بالرغم مِن قلّة أفراده ووسائله الظاهرية - يحصل على انتصارات عظيمة. ويمكن مشاهدة نماذج مِن ذلك في غزوات بدر والأحزاب وحنين، وفي عصرنا الحاضر يمكن مُشاهدة ذلك في الثورات المُنتصرة للأُمم المستضعفة في مقابل الدول المستكبرة. وهذا الأمر يكون سبب تحلّي أنصار الحق بقوّة معنوية خاصّة بحيث تصنع مِن (الإِنسان) أُمَّة. وفي الآيات أعلاه تمت الإِشارة إلى ثلاثة عوامل للإِنتصار، العوامل التي ابتعد عنها مسلمو اليوم، ولهذا السبب نرى هزائمهم المتكرِّرة في مقابل الأعداء والمستكبرين. والعوامل الثلاثة هي: الدخول الصادق والخالص في الأعمال، والإِستمرار على هذه الحالة الصادقة حتى النهاية (ربِّ ادخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق). ثمّ الإِعتماد على قدرة الخالق جلَّ وعلا، والإِعتماد على النفس، وترك أي اعتماد أو تبعية للاجانب (واجعل لي مِن لدنك سلطاناً نصيراً). وبهذا الشكل فليست هُناك أية سياسية تؤثر في الإِنتصار كما في الصدق والإِخلاص، ليس هُناك أي اعتماد أفضل مِن الإِعتماد على الخالق والإِستقلال وعدم التبعية. كيف يريد المسلمون أن ينتصروا على الأعداء الذين قاموا بغصب أراضيهم وصادروا مصادرهم الحياتية في حين أنّهم مرتبطون بأعدائهم في المجالات السياسية والعسكرية والإِقتصادية؟ هل نستطيع أن ننتصر على العدو بواسطة السلاح الذي نشتريه مِنُه؟ 4 - حتمية انتصار الحق وهزيمة الباطل نواجه في الآيات أعلاه أصلا تاماً، وأساساً آخر، وسنة إِلهية خالدة تزرع الأمل في قلوب أنصار الحق، هذا الأصل هو أنَّ عاقبة الحق الإِنتصار، وعاقبة الباطل الإِندحار، وأنَّ للباطل صولة وبرق ورعد، وله كر وفر، إِلاَّ أن عمره قصير، وفي النهاية يكون مآلهُ السقوط والزوال .. الباطل كما يقول القرآن: (فأمّا الزبد فيذهب جفاء وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)(19). والدليل على هذا الموضوع كامن في باطن كلمة الباطل، حيث أنَّهُ لا يتفق مع القوانين العامّة للوجود، وليس لهُ مِن رصيد مِن الواقعية والحقيقة. إِنَّ الباطل شيء مصنوع ومزوَّر، ليست لهُ جذور، أجوف، والأشياء التي لها صفات كهذه - عادةً - لا يمكنها البقاء طويلا. أمّا الحق فلُه أبعاد وجذور مُتناسقة مع قوانين الخلق والوجود، ومثلهُ ينبغي أن يبقى. أنصار الحق يعتمدون سلاح الإِيمان، مَنطقهم الوفاء بالعهد، وصدق الكلام، والتضحية، وهم مستعدون أن يضحوا بأنفسهم و الإِستشهاد في سبيل الله، قلوبهم مُنوَّرة بنور المعرفة، لا يخافون أحداً سوى الله، ولا يعتمدون إِلاَّ عليه، وهذا هو سر انتصارهم. 5 - آية جاءَ الحق ... وقيام المهدي(ع) في بعض الرّوايات تمّ تفسير قوله (جاء الحق وزهق الباطل) بقيام دولة المهدي(ع)، فالإِمام الباقر يبيّن أنَّ مفهوم الكلام الإِلهي هو: "إِذا قام القائم ذهبت دولة الباطل"(20). وفي رواية أُخرى نقرأ أنَّه حينما ولد المهدي(ع) كان مكتوباً على عضده قوله تعالى (جاء الحق وزهق الباطل إِنَّ الباطل كان زهوقاً)(21). إِنَّ مفهوم هذه الأحاديث لا يحصر المعنى الواسع للآية بهذا المصداق، بل إِنَّ ثورة المهدي(ع) ونهضته هي مِن أوضح المصاديق حيث تكون نتيجتها الإِنتصار النهائي للحق على الباطل في كل العالم. وبالنسبة للرسول(ص) نقرأ أنَّهُ(ص) دخل في يوم فتح مكّة، المسجد الحرام وحطم (360) صنماً كانت لقبائل العرب، وكانت موضوعة حول فناء الكعبة، وكان(ص) يحطمها الواحد تلو الآخر بعصاه، وهو يقول: (جاء الحق وزهق الباطل إِنَّ الباطل كان زهوقاً). وخلاصة القول: إِنَّ حقيقة انتصار الحق وانهزام الباطل هي تعبير عن قانون عام يجري في مختلف العصور، وانتصار الرّسول(ص) على الشرك والأصنام، ونهضة المهدي(ع) الموعودة وانتصاره على الظالمين في العالم، هُما مِن أوضح المصاديق لهذا القانون العام. وهذا القانون يبعث الأمل في نفوس أهل الحق، ويعطيهم القوة على مُواجهة مشاكل الطريق في عملهم ومسيرهم الإِسلامي. ﴿وَقُلْ جَاء الْحَقُّ﴾ الإسلام ﴿وَزَهَقَ الْبَاطِلُ﴾ الشرك ﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ مضمحلا زائلا.