لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
5 - (أو يكون لك بيتٌ مِن زُخرف). "زخرف" في الأصل تعني (الزينة)، ويقال للذهب "زُخرف" لأنَّهُ مِن الفلزات المعروفة والمستخدمة لأغراض الزينة، ويقال للبيوت المزيَّنة والملونة أنّها (مزخرفة)، كما يُقال للكلام المزوَّق والمخادع بأنَّهُ "كلام مزخرف". 6 - (أو ترقى السماء ولن نُؤمن لرقيك حتى تُنزِلَ علينا كتاباً نقرؤه). ثمّ يصدر الأمر مِن الخالق جلَّوعلا لرسوله(ص) أن يقول لهؤلاء في مقابل اقتراحاتهم هذه: (قل سبحان رَبّي هل كُنت إِلاَّ بشراً رسولا). بحوث 1 - جواب الرّسول للمتذرعين لقد تبيّن مِن خلال الآيات أعلاه والحديث الوارد في أسباب النّزول، أنَّ طلبات المشركين العجيبة والغريبة لم تكن تنع مِن روح نشدان الحقيقة، بل كان هدفهم البقاء على الشرك وعبادة الأصنام لأنّه كان يمثل الدعامة الأساسية والقوّة المادية لزعماء مكّة، وكذلك منع النّبي(ص) من الاستمرار في طريق الدعوة الى التوحيد بأي صورة ممكنة. إِلاَّ أنَّ الرّسول الهادي (ص) أجابهم بجوابين مَنطقيين وفي جملة واحدة وقصيرة: الجواب الأوّل: إِنَّ الخالق جلَّوعلا مُنزَّه عن هذه الأُمور، مُنزّه التأثّر بهذا وذاك، ومنزّه مِن أن يستسلم للإِقتراحات الباطلة والواهية لاصحاب العقول السخيفة: (سبحان ربّي). الجواب الثّاني: بغض النظر عمّا مضى فإِنَّ الإِتيان بالمعجزات ليس مَن عملي، فأنا بشرٌ مِثلكم، إِلاَّ أنّني رسول الله، والقيام بالمعاجز مِن عمل الخالق وبإِرادته تتمّ، وبأمره تُنجز، فأنا لا أستطيع أن أطلب مثل هذه الأُمور مِن الخالق ولا يحق لي أن أتدخل في مثل الأُمور، فمتى شاء سبحانه فسيبعث بالمعجزات الإِثبات صدق دعوة رسوله: (هل كنت إِلاَّ بشراً رسولا). صحيح أنَّ هناك ترابط بين هَذين الجوابين، إِلاَّ أنّهما يعتبران جوابين مُنفصلين، فأحدهما يثبت ضعف البشر في مقابل هذه الأُمور، والثّاني تنزيه ربّ البشر عن القبول بهذه المعجزات المُقترحة. وعادة فإِنَّ الرّسول(ص) ليس إِنساناً استثنائياً يجلس في مكان معين، ويأتي الأشخاص يقترحون عليه المعجزات كيفما يشاؤون، ويتلاعبون بقوانين وسُنن الخلق والوجود، وإِذا لم تُعجبهم معجزة معينة يطلبون غيرها ... وهكذا. إِنَّ مسؤولية الرّسول(ص) هي إثبات إرتباطه بالخالق عن طريق المعجزة، وعندما يأتي بالقدر الكافي مِن المعاجز، فليست عليه أية مسؤولية أُخرى. إِنَّهُ(ص) قد لا يعرف بزمان نزول المعجزات، وقد يطلب المعجزة مِن ربِّه عِندما يعلم بأنَّ الاتيان بها يرضي الله تعالى. 2 - الأفكار المحدودة والطلبات غير المعقولة: كل إِنسان يتكلم بحدود فكره، ولهذا السبب فإنَّ حديث أي شخص هو دليل على مقدار عمق أفكاره. الأفراد الذي لا يُفكرون إِلا بالمال والجاه يتصورون أنَّ كل مَن يتحدث عن شيء إِنّما يقصد هذا المجال. لهذا السبب كان مشركو مكّة يقترحون - بسبب قصور تفكير هم - على رسول الله اقتراحات تتصل بالمال وقضاياه، يطلبون مِنهُ أن يترك دعوته مقابل المال، إِنّهم يقيسون الروح الواسعة لرسول الهدى(ص) بضيق أفكارهم. إِنَّ هؤلاء كانوا يعتقدون بأنَّ مَن لا يُجاهد في سبيل المال أو المقام مجنون حتماً، ومثلهم كمثل المسجون في غرفة صغيرة لا يرى السماء الواسعة والشمس العظيمة والجبال الشامخة والبحار الواسعة ولا يحس بعظمة عالم الوجود. لقد أرادوا مقايسة الروح السمحة العظيمة لرسول الله(ص) بمقاييسهم. إضافة لذلك، لنر ما هي الأشياء التي أرادوها مِن الرّسول(ص) ولم تكن موجودة في الإِسلام، لقد أرادوا الأراضي المزروعة والعيون المُتفجِّرة، وبساتين النخيل والأعناب، والبيوت المزخرفة. ونحن نعلم أنَّ الإِسلام قد فتح ابواب التقدُّم والتكنولوجيا بحيث يُمكن في ظل التقدم الإِقتصادي تحقيق الكثير مِن هذه الأُمور، بل ونلاحظ بأنَّ المسلمين في ظل البرامج القرآنية وصلوا إِلى تحقيق تقدّم أكثر ممّا كان يدور في عقول المشركين ذوي الأفق الضيق. فهؤلاء لو كانوا ينظرون بعين الحقيقة لكانوا قد شاهدوا هذا التطوَّر المعنوي العظيم في هذا الدين، وكذلك الإِنتصارات المادية المنظورة حيث يضمن القرآن سعادة الإِنسان في المجالين الدنيوي والأُخروي. بالإِضافة إِلى ذلك، فإِنَّ اقتراحاتهم السفيهة الأُخرى تدل على مدى التكبُّر والغرور والجهل المسيطر على عقولهم .. كقولهم: أو تسقط السماء علينا .. وقولهم: أن تضع سلماً وتصعد الى السماء. وقولهم: أن تحضر أمّامنا الله والملائكة!! حتى أنّهم لم يطلبوا منه أن يأخذهم الى الله تعالى .. فما اشدّ هذا الجهل والغرور والتكبر!! 3 - ذريعة أُخرى لِنفي الإِعجاز بالرغم مِن وضوح الآيات أعلاه، وأنّها غير معقَّدة، وأنَّ طلبات المشركين من رسول الله(ص) واضحة، وكذلك سبب تعامل رسول الله(ص) السلبي مع هؤلاء معلوم أيضاً، إِلاَّ أنَّ الآيات أصبحت ذريعة بيد بعض المتذرعين في عصرنا الذين يصرّون على نفي أي معجزة لرسول الله(ص). و هؤلاء يعتبرون هذه الآيات من أوضح الأدلة على نفي الإعجاز عن رسول اللّه(ص) حيث طلب المشركون منه(ص) أن يأتي ستة أنواع من المعاجز سواء من الأرض أو السماء وسواء كانت مفيدة لهم أو قاضية بموتهم، إلاّ أنّه(ص) لم يستطيع تنفيذ أيّ منها، جوابه الوحيد لهم كان (سبحان ربّي هل كنت إلاّ بشراً رسولاً). نحن نقول: إذا لم يكن متذرعو اليوم كأسلافهم، فإنّ ما ورد في الآيات يكفيهم جواباً على ما أوردوا، إذ ينبغي أن نلاحض ما يلي: 1 - البعض من الطلبات الهزيلة، كمثل طلبهم إحضار الخالق جلّ وعلا والملائكة، أو المجيء برسالة من السماء فيها أسماؤهم وعناوينهم! البعض الآخر مما طلبوا، فيها أجابهم رسول اللّه(ص) إليه، سوف لن يبقى أثر لهم، وبالتالي لن تكون قضية المعجزة ذات أثر في إيمانهم أو عدمه، مثل قولهم أن يسقط عليهم كسفاً من السماء، أي أن تنزل عليهم صخور من السماء. أمّا بقية الطالبات المقترحة فتشمل الحصول على المزيد من وسائل الحياة المرفّهة والأموال والثروات الكبيرة، في حين أنّ الانبياء لم يأتوا لتحقيق هذه الاُمور. وإذا افترضنا خلو ما اقترحه المشركون من المآخذ، فإنّنا نعلم - كما تخبر بذلك الآيات - أنّ ما طلبوه كان من نمط التحجّج والتذرّع أمام دعوة الرّسول(ص) ليس من مسؤولية رسول(ص) أن يجيبهم إلى ذرائعهم وتحججاتهم هذه، بل إنّه(ص) يقدّم المعجزة بمقدار ما يثبت صدق دعوته، ولا شيء أكثر من ذلك. 2 - بعض تعابير هذه الآيات توضح بنفسها - بصراحة شديدة - مدى عناد وتذرّع هؤلاء بمثل هذه الطلبات، فمثلاً هم يقترحون على رسول اللّه(ص)الصعود الى السماء، ولكنّهم يقولون له، بأنّنا لا نصدّق صعودك إن لم تأتنا برسالة من السماء. إذا كان هؤلاء طُلاّب معجزة - فقط - فلماذا لا يكفيهم صعود الرّسول(ص)السماء، ثمّ هل هُناك دليل أوضح مِن هذا على عدم واقعية هؤلاء القوم وعدم مَنطقية عروضاتهم؟ 3 - إِضافة إِلى كلّ ما مر، فإِنّنا نعلم أنَّ المعجزة مِن عمل الخالق جلَّ وعلا وليست مِن عمل الرّسول(ص)، في حين يظهر واضحاً مِن كلامهم أنّهم كانوا يعتبرون المعجزة مِن فعله(ص)، لذا كانوا ينسبون جميع الأعمال إِليه مثل قولهم: (تفجّر لنا مِن الأرض ينبوعاً ... أو تُسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً، أو تأتينا بالله والملائكة) وما إِلى ذلك مِن طلبات. الرّسول(ص) كان يعتقد بأنَّ عليه أن يزيل هذه الأوهام مِن عقولهم، ويُثبت لهم بأنَّهُ ليس هو الله ولا هو شريكهُ، والمعجزة مِن الله دون سواه، فأنا بشرٌ مِثلكم، والفارق أنَّ الوحي ينزل عليّ، وبمقدار ما يلزم الأمر فإِنَّ الله يُنزل المعاجز على يدي، ولا أستطيع أن أفعل أكثر مِن هذا، وقوله (سبحان ربّي) شاهد على هذا المعنى، إِذا أنَّ الخالق مُنزَّه عن أي شريك وشبيه. وبالرغم مِن أنَّ القرآن ذكر معاجز مُتعدِّدة لعيسى(ع) مِثل إِحياء الموتى وشفاء المرضى وغير ذلك، إِلاَّ أنَّ هذه المعجزات جميعاً كانت مُلحقة بكلمة "بإِذني" أو "بإِذن الله" أي إِنّها تتم - فقط - بإِذن الخالق، وأجريت على يد المسيح(ع)(2). 4 - أيّ إِنسان يصدّق بأنّ انساناً يدّعي النّبوة، بل يعتبر نفسهُ خاتم النّبيين، ويذكر في كتابه المعاجز الكثيرة للأنبياء السابقين، إِلاَّ أنَّهُ نفسهُ لا يستطيع أن يأتي بمعجزة؟! ثمّ إِنَّ الناس على هذا الفرض، ألا يعترضون على مثل هذا النّبي ويقولون لهُ: كيف تكون نبيّاً في حين أنّك تعجز عن القيام بمعاجز مثل معاجز الأنبياء الآخرين ... فإِن كُنت تدّعي أنّك أفضل مِنهم جميعاً وخاتمهم، فكيف إِذن تستقيم الدعوة مع عدم الإِتيان بالمعجزات؟ إِنَّ هذا الواقع - بحدِّ ذاته - دليل على أنَّ رسول الله(ص) قد جاءَ - عند الضرورة واللزوم - بالمعجزات، ومن هُنا يتّضح أن عدم استسلام رسول الهدى(ص) لطلبات المشركين الآنفة إِنّما يعود لعلمه(ص) بعدم جدواها في إثبات ما يلزم مِن نبوته، وأنّها انطلقت - فقط - على سبيل التحجج والتذرُّع مِن قبل عتاة قريش وكُبرائها، لذلك أهمل(ص) هذا الكلام ولم يستجب لإِقتراحاتهم غير المنطقية وغير المعقولة. الآيتان 94 - 95 ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَآءَهُمُ الْهُدَى إِلآَّ أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَّسُولا94 قُل لَّوْ كَانَ فِى الاَْرْضِ مَلَـئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِّنَ السَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولا95﴾ التّفسير ذريعة عامّة:الآيات السابقة تحدَّثت عن تذرُّع المشركين - أو قسم منهم - في قضية التوحيد، أمّا الآيات التي نبحثها فإِنّها تشير إِلى ذريعة عامّة في مقابل دعوة الأنبياء، حيثُ تقول: (وما منعَ الناس أن يؤمنوا إِذ جاءهم الهُدى إِلاَّ أن قالوا أبَعَثَ اللَّهُ بشراً رسولا). هل يمكن التصديق بأنَّ هذه المهمّة والمنزلة الرفيعة تقع على عاتق الإِنسان ... ثمّ والكلام للمشركين - ألم يكن الأُولى والأجدر أن تقع هذه المهمّة - وهذه المسؤولية - على عاتق مخلوق أفضل كالملائكة - مثلا - كي يستطيعوا أداء هذه المهمّة بجدارة ... إِذ أين الإِنسان الترابي والرسالة الإِلهية؟! إِنَّ هذا المنطق الواهي الذي تحكيه الآية على لسانِ المشركين لا يخص مجموعة أو مجموعتين مِن الناس، بل إِنَّ أكثر الناس وفي امتداد تأريخ النّبوات قد تَذَرّعوا به في مقابل الأنبياء والرُسُل. قوم نوح(ع) - مثلا - كانوا يعارضون نبيّهم بمثل هذا المنطق ويصّرحون: (ما هذا إِلاَّ بشرٌ مِثلكم) كما حَكَت ذلك الآية (24) مِن سورة المؤمنون. أمّا قوم هود فقد كانوا يُواجهون نبيّهم بالقول: (ما هذا إِلاَّ بشرٌ مِثلكم يأكل ممّا تأكلون مِنهُ ويشرب مما تشربون) كما ورد في الآية (33) مِن سورة المؤمنون. ثمّ أضافت الآية (34) مِن نفس السورة قولهم: (ولئن أطعتم بشراً مثلكم إِنكم إِذاً لخاسرون). نفس هذه الذريعة تمسّك بها المشركون ضد رسول الله(ص) وأمام دعوة الإِسلام التي جاءَ بها، إِذ قالوا: (ما لهذا الرّسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إِليه ملك فيكون معهُ نذيراً)(1). القرآن الكريم أجاب هؤلاء جميعاً في جملة قصيرة واحدة مليئة بالمعاني والدلالات، قال تعالى: (قُل لو كان في الأرض ملائكةٌ يمشون مُطمئنين لَنزَّلنا عليهم مِن السماء ملكاً رسولا). يعني أنَّ القائد يجب أن يكون مِن سنخ مَن بُعِثَ إِليه، ومِن جنس أتباعه، فالإِنسان لجماعة البشر، والمَلَك لجماعة الملائكة. ودليل هذا التجانس والتطابق بين القائد وأتباعه واضح; فمن جانب يعتبر التبليغ العملي أهم وظيفة في عمل القائد مِن خلال كونه قدوة واسوة، وهذا لا يتمّ إِلاَّ أن يكون القائد مِن جنسهم، يمتلك نفس الغرائز والأحاسيس، ونفس مكونات البناء الجسمي والروحي الذي يملكهُ كل فرد مِن أفراد جماعته، فلو كانَ الرّسول إِلى البشر مِن جنس الملائكة الذين لا يملكون الشهوة ولا يحتاجون إِلى الطعام والمسكن والملبس، فلا يستطيع أن يتمثل معنى الأسوة والقدوة لِمن بُعِثَ إِليهم، بل إِنَّ الناس سوف يقولون: إِنَّ هذا النّبي المرسل لا يعرف ما في قلوبنا وضمائرنا، ولا يدرك ما تنطوي عليه أرواحنا من عوامل الشهوة والغضب وما إِلى ذلك، إِنَّ مثل هذا الرّسول سوف يتحدث إِلى نفسه فقط، إِذ لو كان مِثلنا يملك نفس أحاسيسنا ومشاعرنا لكانَ مِثلَ حالنا أو أسوأ، لذا لا اعتبار لكلامه. أمّا عندما يكون القائد مِثل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع) الذي يقول: "إِنّما هي نفسي أروضها بالتقوى لِتأتي أمنة يوم الخوف الأكبر"(2). فإنّ مِثلُه يصلح أن يكون الأسوة والقدوة لِمن يقودهم. مِن جانب آخر ينبغي للقائد أن يُدرك جميع احتياجات ومشاكل أتباعه كي يكون قادراً على علاجهم، والإِجابةِ على أسئلتهم، لهذا السبب نرى أنَّ الأنبياء برزوا مِن بين عامّة الناس، وعانوا في حياتهم كما يعاني الناس، وذاقوا جميع مرارات الحياة، ولمسوا الحقائق المؤلمة بأنفسهم وهيأوا أنفسهم لمعالجتها ومصابرة مُشكلات الحياة. ملاحظات 1 - قوله تعالى: (وما منع الناس ...) يعني إِن سبب عدم إِيمانهم هو هذا التذرُّع، إِلاَّ أنَّ هذا التعبير ليس دليلا على الحصر، بل هو للتأكيد وبيان أهمية الموضوع. 2 - عبارة: (ملائكةٌ يمشون مطمئنين) موضع اختلاف في أقوال وآراء المفسّرين، فالبعض يعتبرها إِشارة إِلى قول عرب الجاهلية الذين كانوا يقولون بأنّنا كُنّا نعيش في هذه الجزيرة حياةً هادئة، وقد جاءَ محمّد ليجلب الفوضى والقلق، إِلاَّ أنّهم جوبهوا بقول القرآن لهم بأنَّهُ حتى لو كانت الملائكة تسكن الأرض وكانوا يعيشون حياةً هادئة - كما تدَّعون - فإِنّنا كُنّا سنرسل لهم رسولا مِن جنسهم وصنفهم. البعض الآخر مِن المفسّرين فسّرها بأنّها "اطمئنان إِلى الدنيا ولذاتها والإِبتعاد عن أي مذهب ودين". وأخيراً فسّرها بعضهم بمعنى (السكن والتوطُّن) في الأرض. لكن الإِحتمال الأقوى هو أن يكون هدف الآية: لو كانت الملائكة ساكنة في الأرض، وكانوا يعيشون حياةً هادئة وخالية مِن الصراع والنزاع، فرغم ذلك كانوا سيشعرون بالحاجة إِلى قائد مِن جنسهم، حيثُ أنَّ الهدف مِن إِرسال الأنبياء وبعثهم ليس لإِنهاء الصراع والنزاع وإِيجاد أسباب الحياة المادية الهادئة وحسب، بل إِنَّ هذه الأُمور هي مقدمة لطي سبيل التكامل والتربية في المجالات المعنوية والإِنسانية، ومثل هذا الهدف يحتاج إِلى قائد إِلهي. 3 - يستفيد العلاّمة الطباطبائي في تفسير الميزان مِن كلمة "أرض" في الآية أعلاه، أنَّ طبيعة الحياة المادية على الأرض تحتاج إِلى نبي، وبدونه لا يمكن الحياة. إِضافة الى ذلك فإنّه يرى أنّ هذه الكلمة إِشارة لطيفة إِلى جاذبية الأرض حيثُ أنَّ التحرُّك بهدوء واطمئنان بدون وجود الجاذبية يعتبر أمراً محالا. ﴿أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ﴾ ذهب ﴿أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء﴾ مراقيها ﴿وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ﴾ لو فعلته ﴿حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا﴾ منها ﴿كِتَابًا﴾ يصدقك ﴿نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي﴾ تعجبا من تحكمهم أو تنزيها له منه ﴿هَلْ﴾ ما ﴿كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً﴾ كسائر الرسل.