التّفسير
ذريعة عامّة:الآيات السابقة تحدَّثت عن تذرُّع المشركين - أو قسم منهم - في قضية التوحيد، أمّا الآيات التي نبحثها فإِنّها تشير إِلى ذريعة عامّة في مقابل دعوة الأنبياء، حيثُ تقول: (وما منعَ الناس أن يؤمنوا إِذ جاءهم الهُدى إِلاَّ أن قالوا أبَعَثَ اللَّهُ بشراً رسولا).
هل يمكن التصديق بأنَّ هذه المهمّة والمنزلة الرفيعة تقع على عاتق الإِنسان ... ثمّ والكلام للمشركين - ألم يكن الأُولى والأجدر أن تقع هذه المهمّة - وهذه المسؤولية - على عاتق مخلوق أفضل كالملائكة - مثلا - كي يستطيعوا أداء هذه المهمّة بجدارة ... إِذ أين الإِنسان الترابي والرسالة الإِلهية؟!
إِنَّ هذا المنطق الواهي الذي تحكيه الآية على لسانِ المشركين لا يخص مجموعة أو مجموعتين مِن الناس، بل إِنَّ أكثر الناس وفي امتداد تأريخ النّبوات قد تَذَرّعوا به في مقابل الأنبياء والرُسُل.
قوم نوح(ع) - مثلا - كانوا يعارضون نبيّهم بمثل هذا المنطق ويصّرحون: (ما هذا إِلاَّ بشرٌ مِثلكم) كما حَكَت ذلك الآية (24) مِن سورة المؤمنون.
أمّا قوم هود فقد كانوا يُواجهون نبيّهم بالقول: (ما هذا إِلاَّ بشرٌ مِثلكم يأكل ممّا تأكلون مِنهُ ويشرب مما تشربون) كما ورد في الآية (33) مِن سورة المؤمنون.
ثمّ أضافت الآية (34) مِن نفس السورة قولهم: (ولئن أطعتم بشراً مثلكم إِنكم إِذاً لخاسرون).
نفس هذه الذريعة تمسّك بها المشركون ضد رسول الله(ص) وأمام دعوة الإِسلام التي جاءَ بها، إِذ قالوا: (ما لهذا الرّسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إِليه ملك فيكون معهُ نذيراً)(1).
﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى﴾ الحجج البينة ﴿إِلاَّ أَن قَالُواْ﴾ إلا قالوا إنكارا ﴿أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا رَّسُولاً﴾ وهلا بعث ملكا.