لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النّزول وردت آراء مُتعدِّدة في سبب نزول هاتين الآيتين مِنها ما نقلهُ صاحب مجمع البيان عن ابن عباس الذي قال: كانَ رسول الله(ص) ساجداً ذات ليلة بمكّة يدعو: يا رحمن يا رحيم، فقال المشركون مُتهمين رسول الله(ص): إنَّهُ يدعونا إِلى إِله واحد، بينما يدعو هو مثنى مثنى. يقصدون بذلك قول رسول الله(ص): يا رحمن يا رحيم. فنزلت الآية الكريمة أعلاه(1). التّفسير آخر الذرائع والأغذار بعد سلسلة من الذرائع التي تشبث بها المشركون امام دعوة الرّسول(ص)، نصل مع الآيات التي بين أيدينا إِلى آخر ذريعة لهم، وهي قولهم: لماذا يذكر رسول الله(ص) الخالق بأسماء مُتعدِّدة بالرغم من أنَّهُ يدّعي التوحيد. القرآن ردَّ على هؤلاء بقوله: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّاً ما تدعوا فلهُ الأسماء الحسنى). إنَّ هؤلاء عُميان البصيرة والقلب، غافلون عن أحداث ووقائع حياتهم اليومية حيثُ كانوا يذكرون أسماء مُختلفة لشخص واحد أو لمكان واحد، وكل اسم مِن هذه الأسماء كان يُعرِّف بشطر أو بصفة مِن صفات ذلك الشخص أو المكان. بعد ذلك، هل مِن العجيب أن تكون للخالق أسماء مُتعدِّدة تتناسب مع افعاله وكمالاته وهو المطلق في وجوده وفي صفاته و المنبع لكل صفات الكمال وجميع النعم، وهو وحده عزَّوجلّ الذي يُدير دفة هذا العالم والوجود؟ أساساً، فانَّ اللّه تعالى لا يمكن معرفته ومناجاته باسم واحد إِذ ينبغي أن تكون أسماؤه مثل صفاته غير محدودة حتى تعبِّر عن ذاته، ولكن لمحدودية ألفاظنا - كما هي أشياؤنا الأُخرى أيضاً - لا نستطيع سوى ذكر أسماء محدودة له، وإِنَّ معرفتنا مهما بلغت فهي محدودة أيضاً، حتى أنَّ رسول الله(ص) وهو من هو في منزلته وروحه وعلو شأنه، نراه يقول: "ما عرفناك حق معرفتك". إِنَّ الله تعالى في قضية معرفتنا إِيَّاه لم يتركنا في أفق عقولنا ودرايتنا الخاصّة، بل ساعدنا كثيراً في معرفة ذاته، وذكر نفسهُ بأسماء مُتعدِّدة في كتابه العظيم، ومِن خلال كلمات أوليائهِ تصل اسماؤه - تقدس وتعالى - إِلى ألف اسم. وطبيعي أنَّ كل هذهِ أسماء الله، وأحد معاني الأسماء العلاّمة، لذا فإِنَّ هذه علامات على ذاته الطاهرة، وجميع هذه الخطوط والعلامات تنتهي إِلى نقطة واحدة، وهي لا تقلّل مِن شأن توحيد الذات والصفات. وهُناك قسم مِن هذهِ الأسماء ذو أهمية وعظمة أكثر، حيث تعطينا معرفةً ووعياً أعظم، تسمى في القرآن الكريم وفي الرّوايات الإِسلامية، بالأسماء الحسنى، وهُناك رواية معروفة عن رسول الهدى(ص) ما مضمونها: "إِن الله تسعاً وتسعين اسماً، مَن أحصاها دخل الجنّة". وهناك شرح مُفصل للأسماء الحسنى، والأسماء التسعة والتسعين بالذات، أوردناه في نهاية الحديث عن الآية (180) مِن سورة الأعراف، في قوله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها). لكن علينا أن نفهم أنَّ الغرض مِن عَد الأسماء الحسنى ليس ذكرها على اللسان وحسب، حتى يصبح الإِنسان مِن أهل الجنّة ومستجاب الدعوة، بل إِنَّ الهدف هو التخلُّق بهذه الأسماء وتطبيق شذرات مِن هذه الأسماء، مِثل (العالم، والرحمن، والرحيم، والجواد، والكريم) في وجودنا حتى نصبح مِن أهلِ الجنّة ومستجابي الدعوة. وَهُناك كلام ينقلهُ الشيخ الصدوق(رحمه الله) في كتاب التوحيد عن هشام بن الحكم جاءَ فيه: يقول هشام بن الحكم: سألت أبا عبدالله الصادق(ع) عن أسماء الله عزَّ ذكره واشتقاقها فقلت: الله ممّا هو مشتق؟ قالَ(ع): "يا هشام، الله مُشتقٌ مِن إِله، وإِلهٌ يقتضي مألوهاً، والاسمُ غير المسمّى، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كَفَر ولم يعبدُ شيئاً، ومَن عَبدَ الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد الاثنين، ومَن عبد المعنى دونَ الاسم فذاك التوحيد. أفهمت يا هشام؟". قال هشام: قلتُ: زدني. قالَ(ع): "لله عزَّوجلّ تسعةٌ وتسعون اسماً، فلو كانَ الاسمُ هو المسمى لكان كلُّ اسم مِنها هو إِلهاً، ولكن الله عزَّوجلّ معنىً يدلُّ عليه بهذه الأسماء وكُلُّها غيره. يا هشامُ، الخبزُ اسمٌ للمأكول، والماء اسمٌ للمشروب، والثوب اسمٌ للملبوس، والنار اسم للمحِرق"(2). والآن لنعد إِلى الآيات. ففي نهاية الآية التي نبحثها نرى المشركين يتحدّثون عن صلاة رسول الله(ص) ويقولون: إِنَّهُ يؤذينا بصوته المرتفع في صلاته وعبادته، فما هذه العبادة؟ فجاءت التعليمات لرسول الله(ص) عبر قوله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا). لذلك فإِنَّ الآية أعلاه لا علاقة لها بالصلوات الجهرية والإِخفاتية في اصطلاح الفقهاء، بل إِنَّ المقصود مِنها يتعلق بالإِفراط والتفريط في الجهر والإِخفات، فهي تقول: لا تقرأ بصوت مرتفع بحيث يشبه الصراخ، ولا أقل مِن الحد الطبيعي بحيث تكون حركة شفاه وحسب ولا صوت فيها. أسباب النّزول الواردة - حول الآية - التي يرويها الكثير مِن المفسّرين نقلا عن ابن عباس تؤيِّد هذا المعنى. وهُناك آيات عديدة مِن طُرق أهل البيت نقلا عن الإِمام الباقر والصادق(عليهما السلام)وتؤيد هذا المعنى وتشير إِليه(3). لذا فإِنا نستبعد التفاسير الأُخرى الواردة حول الآية. أمّا ما هو حد الإِعتدال، وما هو الجهر والإِخفات المنهي عنهما؟ الظاهر أنَّ الجهر هو بمعنى (الصُراخ)، و(الإخفات) هو مِن السكون بحيث لا يسمعهُ حتى فاعله. وفي تفسير علي بن إِبراهيم عن الإِمام الصادق(ع) أنَّهُ قالَ في تفسير الآية: "الجهر بها رفع الصوت، والتخافت بها ما لم تسع نفسك، واقرأ بين ذلك"(4). أمّا الإِخفات والجهر في الصلوات اليومية، فهو - كما أشرنا لذلك - لهُ حكم آخر، أو مفهوم آخر، أي لهُ أدلة مُنفصلة، حيثُ ذكرها فقهاؤنا رضوان الله عليهم في (كتاب الصلاة) وبحثوا عنها. ملاحظة هذا الحكم الإِسلامي في الدعوة إلى الإِعتدال بين الجهر والإِخفات يعطينا فهماً وإِدراكاً من جهتين: الأُولى: لا تؤدوا العبادات بشكل تكون فيه ذريعة بيد الأعداء، فيقومون بالإِستهزاء والتحجج ضدكم، إِذ الأفضل أن تكون مقرونه بالوقار والهدوء والأدب، كي تعكس بذلك نموذجاً لعظمة الأدب الإِسلامي ومنهج العبادة في الإسلام. فالذين يقومون في أوقات استراحة الناس بالقاء المحاضرات الدينية بواسطة مكبرات الصوت، ويعتقدون أنّهم بذلك يوصلون صوتهم إِلى الآخرين، هم على خطأ، وعملهم هذا لا يعكس أدب الإِسلام في العبادات، وستكون النتيجة عكسية على قضية التبليع الديني. الثّانية: يجب أن يكون هذ التوجيه مبدأ لنا في جميع أعمالنا وبرامجنا الإِجتماعية والسياسية والإِقتصادية، وتكون جميع هذه الأُمور بعيدة عن الإِفراط والتفريط، إِذ الأساس هو: (وابتغِ بين ذلك سبيلا). أخيراً نصل إِلى الآية الأخيرة مِن سورة الإِسراء، هذه الآية تُنهي السورة المباركة بحمد الله، كما افتُتِحت بتسبيحه وتنزيه ذاته عزَّوجلّ. ﴿قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ﴾ نزلت حين قال المشركون وقد سمعوه (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول: يا الله يا رحمان نهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلهين أو قالت اليهود إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثره الله في التوراة ﴿أَيًّا مَّا﴾ أي هذين الاسمين ﴿تَدْعُواْ﴾ تسموا فهو حسن ﴿فَلَهُ﴾ أي للمسمى بهما ﴿الأَسْمَاء الْحُسْنَى﴾ الدالة على صفات الجلال والإكرام وهذان منها ﴿وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ﴾ لا ترفع بها صوتك شديدا بحيث لا تعد مصليا ﴿وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا﴾ بحيث لا تسمع أذنيك فلا تعد قارئا ﴿وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ الجهر والمخافتة ﴿سَبِيلاً﴾ وسطا.