لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
إِنَّ هذه الآية - في الواقع - هي خلاصة أخيرة لكل البحوث التوحيدية التي وردت في السورة، وهي ثمرة لمفاهيمها جميعاً، إِذ هي تخاطب الرّسول(ص) بالقول: (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن لهُ شريك في الملك ولم يكن لهُ ولي مِن الذل). ومثل هذا الرّب في مثل هذه الصفات، هو أفضل مِن كل ما تفكِّر به: (وكبره تكبيراً). ونلاحظ في هذه الآية عدة أُمور: 1 - تناسب الصفات الثلاثية في الآيات أعلاه تمّت الإِشارة إِلى ثلاث صفات مِن صفات الله، ثمّ بملاحظة الأمر الوارد في نهاية الآية تكتمل الى اربع صفات. أوّلا: نفي الولد، لأنَّ امتلاك الولد دليل على الحاجة، وأنَّهُ جسماني، ولهُ شبيه ونظير، والخالق جلَّ وعلا ليسَ بجسم ولا يحتاج لولد، وليس لهُ شبيه ونظير. الثّاني: نفي الشريك (ولم يكن له شريك في الملك) حيث أن وجود الشريك دليل محدودية القدرة والحكومة والسلطة، وهو دليل العجز والضعف، ويقتضي وجود الشبيه والنظير. والخالق جلَّ وعلا مُنَزَّه عن هذه الصفات، فقدرته كما هي حكومته غير محدودة، وليسَ له أي شبيه. الثّالث: نفي الولي والحامي عند التعرُّض للمشاكل والهزائم (ولم يكن له ولي من الذلّ). ونفي هذه الصفة عن الخالق يعتبر أمر بديهي .. إِنَّ الآية تنفي أي مساعد للخالق أو شبيه له، سواء كان ذلك في مرحلة أدنى (كالولد) أو في مرحلة مساوية (كالشريك) أو أفضل مِنهُ (كالولي). نقل العلاّمة الطبرسي في (مجمع البيان) عن بعض المفسّرين الذين لم يذكر أسماءهم بصراحة قولهم: "إِنَّ هذه الآية تنفي ثلاثة اعتقادات منحرفة لثلاث مجاميع: المجموعة الأُولى هُمُ المسيحيون واليهود الذين يقولون بوجود الولد للخالق، والثّانية مجموعة مشركي العرب الذين قالوا بوجود الشريك لهُ سبحانه، لذلك فإِنّهم كانوا يقولون عند كل صباح وفي طقوس خاصّة: لبيك لا شريك لك، إِلاَّ شريكاً هو لك! أمّا المجموعة الثّالثة، فهم عبدة النجوم والمجوس الذين يقولون بوجود الولي والحامي للخالق". 2 - ما هو التكبير؟ القرآن يؤكّد على رسوله أن يُكبِّر الله، وهذا تعني أنَّ الغرض مِن ذلك هو الإِعتقاد بهذا الأمر، وليس فقد ذكر (الله أكبر) على اللسان. إِنَّ معنى الإِعتقاد بأنَّ (الله أكبر) أن لا نقيسهُ معَ المخلوقات الأُخرى، ونقول بأنَّهُ أعظم وأكبر مِنها، لأنَّ مثل هذه المقايسة خطأ مِن الأساس. إِنّنا يجب أن نعتبره أعظم وأكبر مِن أن نقيسهُ بشيء، كما يُعلمنا ذلك الإِمام الصادق(ع) في مقولته القصيرة اللفظ والكبيرة المعنى، حيث نقرأ فيها ما نصُّه: قال رجل عند الإِمام الصادق(ع): اللَّهُ أكبر. فقال(ع): "الله أكبر مِن أي شيء؟". قال الرجل: مِن كل شيء. فقال(ع): "حددته". فقال الرجل: كيف أقول؟ قال(ع): قُل: "الله أكبر مِن أن يوصف"(5). وفي حديث آخر عن الإِمام الصادق(ع) أيضاً نقرأ عن جميع بن عُمير قال: قالَ أبو عبد الله(ع): "أي شيء، الله أكبر". فقلت: الله أكبر مِن كل شيء. فقال: "وكانَ ثمّ شيء فيكون أكبر منهُ". فقلت: فما هو؟ قالَ(ع): "أكبر مِن أن يوصف"(6). 3 - الإِجابة على هذا السؤال قد يُطرح هُنا هذا السؤال: كيف يكون حمد الخالق في الآية أعلاه في قبال الصفات السلبية، في حين أنّنا نعلم بأنَّ (الحمد) هو في قُبال الصفات الثبوتية كالعلم والقدرة، أمّا صفات مثل نفي الولد والشريك والولي فهي تتلاءم مَع التسبيح فكيف مَعَ الحمد؟ في الجواب على هذا السؤال نقول: بالرغم مِن أنَّ طبيعة الصفات السلبية والثبوتية تختلف بضعها عن بعض وإِنَّ احداهما تتلاءم مع التسبيح والأُخرى تتلاءم مع الحمد، إلاَّ أنَّهُ في الوجود الخارجي (العيني) يكون الإِثنان لازمين وملزومين، فنفي الجهل عن الخالق يكون مُلازماً لإِثبات العلم له، كما أنَّ إِثبات العلم لذاته جلَّ وعلا ملازم لنفي الجهل. وعلى هذا الأساس فلا مانع تارة مِن ذكر اللازم وأُخرى من ذكر الملزوم. كما ذُكر التسبيح في بداية هذه السورة لأمر في قوله: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا مِن المسجد الحرام إِلى المسجد الأقصى). دُعاء الختام: إِلهي إملأ قلوبنا بنور العلم حتى نخضع لعظمتك، ونؤمن بما وعدت، ونلتزم ما أمرت، لا نعبد غيرك، ولا نتوكل إِلاَّ عليك. إِلهنا، وفقنا في حياتنا اليومية في أن لا نخرج عن حدّ الإِعتدال، وأن نبتعد عن كل إِفراط وتفريط. إِلهنا; لك الحمد ولك الشكر، وأنت الواحد الكبير، أكبر مِن أن تحدَّ في وصف، فاغفر لنا، وثبتنا في خطواتنا، وانصرنا على أعدائنا، وأوصل انتصاراتنا بالإِنتصار النهائي للمصلح المهدي(ع)، ووفقنا لتكميل هذا التّفسير وارحمنا برحمتك واقبلنا في رضاك. نهاية سورة الإسراء ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ﴾ الألوهية ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ﴾ يواليه ﴿مِّنَ الذُّلَّ﴾ من أجل ذل به ليدفعه بموالاته أي لم يذل فيحتاج إلى ناصر ﴿وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ عظمه تعظيما وكان (صلى الله عليه وآله وسلّم) يعلم أهله هذه الآية.