لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ثمّ تشير الآيات إِلى أصل أساسي في إِبطال هذه الإِدعاءات الفارغة فتقول: إِنَّ هؤلاء لا علم لهم ولا يقين بهذا الكلام، وإِنّما هم مُقلدون فيه للآباء، وإِنَّ آباءهم على شاكلتهم في الجهل وعدم العلم: (ما لهم بِهِ مِن علم ولا لآبائهم). بل: ولد؟ أو أن يحتاج إِلى الصفات المادية وأن يكون محدوداً ... إِنَّهُ كلام رهيب، ومثل هؤلاء الذين يتفوهون به لا ينطقون إِلاَّ كَذِباً: (إِن يقولون إِلاَّ كذباً). بحوث 1 - افتتاح السورة بحمد الله سبحانهُ وتعالى هُناك خمس سور في القرآن الكريم تبدأ بحمد الله، ثمّ تعرج بعد الحمد والثناء على قضايا خلق السموات والأرض (أو ملكية الله سبحانهُ وتعالى لها) أو هداية العالمين، عدا هذه السورة التي تتناول بعد الحمد والثناء مسألة نزول القرآن على نبيّنا محمّد(ص). وفي حقيقة الأمر إِنَّ السور الأربع "الأنعام - سبأ - فاطر - الحمد" تتناول القرآن التكويني، فيما تتطرق سورة الكهف إِلى القرآن التدويني، وكما هو معلوم فإِنَّ الكتابين، أي (القرآن التدويني) وخلق الكون وما فيه (القرآن التكويني) كلٌ مِنهما مُكمّل للآخر، وهذا يوضح أنَّ للقرآن وزنٌ يعادل الخلق. وأساساً فإنّ تربية الخلائق الواردة في الآية (الحمد الله رب العالمين) غير ممكنة، ما لم يُستفاد بصورة تامة مِن الكتاب السماوي العظيم، أي القرآن. 2 - القرآن كتابٌ ثابت ومستقيم وحافظ كلمة "قيِّم" على وزن كلمة "سيِّد" وِمُشتقة مِن مصدر الكلمة "قيام" وهُنا تأتي بمعنى (الثبات والصمود) إِضافة إِلى أنّها تعني المدبِّر والحافظ لبقية الكتب السماوية، كما تعني كلمة "قيِّم" في نفس الوقت الإِعتدال والإِستقامة التي لا اعوجاج فيها وإِضافة إِلى أنَّ كلمة "قيم" هي وصف للقرآن في عدم وجود أي اعوجاج في آياته، بل إنّ في مضمونها تأكيد على استقامة واعتدال القرآن، وخلوّه مِن أي شكل مِن أشكال التناقض، وإِشارة إِلى أبدية وخلود هذا الكتاب السماوي العظيم، وكونه أسوة لحفظ الأصالة، وإِصلاح الخلل، وحفظ الأحكام الإِلهية والعدل والفضائل البشرية. صفة (القيِّم) مُشتقة مِن (قيمومة) الباري عزَّ وجلّ التي تعني اهتمام الباري عزَّوجلّ وحفظه جميع الكائنات، والقرآن الذي هو كلام الله لهُ نفس الصفة أيضاً. كما وصف الله سبحانهُ وتعالى دينه في عدّة آيات قرآنية بأنَّهُ (القيِّم) حتى أنَّهُ أمر نبيّه الأكرام(ص) بالعمل وُفق ما يمليه الدين القيِّم والمستقيم: (فأقم وجهك للدين القيِّم)(1). وما ذكر أعلاه بشأن تفسير كلمة "قيِّم"، أُخِذَ مِن عِدَّة تفاسير مُختلفة، وهو خُلاصة لما قالهُ المفسّرون من أنَّ كلمة "قيِّم" تعني الكتاب الباقي الذي لا يُنسخ، أو الكتاب الحافظ للكتب السابقة، أو الكتاب القيِّم على الدين، أو الخالي مِن الإِختلافات والتناقضات، وكل هذه المعاني انصبت في المفهوم الذي ذكرناه. واعتبر بعض المفسّرين أنّ جملة (لم يجعل له عوجاً) تعني فصاحة ألفاظ القرآن وكلمة "قيماً" تعني البلاغة والإِستقامة بالرغم مِن عدم امتلاكهم لأي دليل واضح على هذا التباين(2)، والظاهر أنَّ الكلمتين تؤكّد كل مِنهما الأُخرى، مع فرق أن كلمة "قيِّم" لها مفهوم واسع، وتعني اضافة إِلى معنى الإِستقامة، المحافظ والمصلح للكتب المساوية الأُخرى(3). 3 - انذارين شديدين عام وخاص: بعد الإِنذار العام الذي وجهته الآيات في البداية لكافة البشر، وجهت الآيات المذكورة آنفاً انذاراً خاصّاً للذين ادّعوا بأنّ لله ولداً وهذا ما يوضح خطورة الإِنحراف العقائدي الذي أصاب المسيحيين واليهود والمشركين، وانتشر بصورة واسعة في الأجواء التي نزل القرآن، ومِن الطبيعي فإِنَّ انتشار مثل هذه الأفكار يقضي على روح التوحيد في ذلك المجتمع، إِذ حدِّوا الله سبحانه وتعالى بحدود مادية وجسمية، وأنَّهُ يمتلك عواطف وأحاسيس بشرية، إِضافة إِلى وجود أكفاء وشركاء له، وأنَّهُ يحتاج إِلى الآخرين. وبسبب هذه المعتقدات نزلت آيات عديدة للردّ على تلك الشبهات، ومِنها الآية (68) في سورة يونس: (قالوا اتّخذ الله ولداً سبحانه هو الغني) والآيات مِن (88) إِلى (91) في سورة مريم: (وقالوا اتّخذ الرحمن ولداً لقد جئتم شيئاً إِدّاً، تكاد السموات يتفطرن منهُ وتنشق الأرض وتخرّ الجبال هداً أن دعوا للرحمن ولداً). وما جاءَ في هذه الآيات المباركة يوضح قوّة الرّد الإِلهي على تلك الإِدعاءات، حيثُ أكّدت على العقاب الشديد الذي ينتظر مَن يعتقدون بمثل هذه الخرافة، لأنَّ مَن يدّعي باتّخاذ الله سبحانه وتعالى ولداً، إِنّما يمس كبرياء الباري عزَّوجلّ وعظمته، وينزلهُ إِلى المستوى البشري المادي(4). 4 - الإِدعاء الفارغ إِنَّ البحث في المعتقدات والمباديء المنحرفة، كشف عن أنَّ أغلبها ليس لهُ أي دليل واقعي، ولكن بعض الأشخاص يتخذها كشعار كاذب كي يتبعهُ الآخرون، و تنتقل أحياناً مِن جيل إِلى آخر كعادة. والقرآن هُنا يلقي علينا دروساً في تجنب الإِدعاءات التي ليسَ لها أي دليل أو سند قوي، ويأمرنا بعدم إِعارة أية أهمية لناقلها ومروجها، وقد اعتبر الله تبارك وتعالى تلك الأعمال مِن الكبائر، وعدّها مصدراً للكذب والدجل. ولو اتّخذ المسلمون هذا الأصل منهجاً في حياتهم، أي عدم التحدُّث بشيء مِن دون التأكُّيد مِنهُ، ورفض أي شيء ليسَ لهُ دليل، وعدم الإِهتمام بالإِشاعات الفارغة، لتحسن الكثير مِن أُمورهم وتصرفاتهم الخاطئة. 5 - العمل الصالح برنامجٌ مستمر الآيات المذكورة أعلاه عندما تتحدَّث عن المؤمنين، تعتبر العمل الصالح بمثابة برنامج مستمر، إِذ أَنَّ كلمة (يعملون في قوله تعالى: (يعملون الصالحات)فعل مُضارع، والفعل المُضارع يدل على الإِستمرارية، فالعمل الصالح يُمكن أن يصدر صدفة أو بسبب ما عن أي شخص، فلا يكون حينئذ دليلا على الإِيمان الصادق، لكن استدامة العمل الصالح دليل الإِيمان الصادق. 6 - صفة العبد أرقى وسام للإنسان وأخيراً، إِنَّ القرآن عندما يتحدَّث في آياته عن قضية نزول الكتاب السماوي يقول: (الحمدُ لله الذي أنزل على عبده الكتاب) وهذا يعني أن صفة "العبد" هي أرقى وسام وأعلى مرتبة ينالها الإِنسان في معراج تكامله المعنوي، فإذا نال الإِنسان وسام العبودية لله تعالى، فإنّه يرى أن كل شيء في العالم ملكاً لله، وعملا يسلك سبيل الطاعة لأوامر اللّه والتمسك بالنهج الذي رسمهُ وَحدَّده تعالى للإِنسان، ولا يفكر في سواه ويرى أنّ خيرُ شرف للإِنسان أن يكون عبداً صالحاً ومُلتزماً بأوامر ونواهي الباري عزَّوجلّ. ﴿مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ﴾ وإنما صدر عن جهل وتقليد ﴿وَلَا لِآبَائِهِمْ﴾ القائلين به من قبلهم ﴿كَبُرَتْ﴾ عظمت مقالتهم هذه أو الضمير مبهم يفسره ﴿كَلِمَةً﴾ وهي تمييز ﴿تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾.