ثمّ يضيف القرآن في الآية التالية: (من ذا الّذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة) أي ينفق من الأموال التي رزقه الله تعالى إيّاه في طريق الجهاد وحماية المستضعفين والمعوزين.
فعلى هذا يكون إقراض الله تعالى بمعنى (الإنفاق في سبيل الله)، وكما ذكر بعض المفسّرين أنّها تعني المصارف التي ينفقها الإنسان في طريق الجهاد، لأنّ تأمين احتياجات الجهاد في ذلك الوقت كان في عهدة المسلمين المجاهدين، في حين أنّ البعض يرى بأنّ الآية تشمل كلّ أنواع الإنفاق(2).
ولكنّ التفسير الثاني أقرب وأكثر إنسجاماً مع ظاهر الآية، وخاصّة أنّه شاملٌ للمعنى الأوّل أيضاً، وأساساً فإنّ الإنفاق في سبيل الله ومساعدة الفقراء والمساكين وحماية المحرومين يُعطي ثمرة الجهاد أيضاً، لأنّ كلاًّ منها يبعث على استقلال المجتمع الإسلامي وعزّته.
(أضعاف) جمع (ضعف) على وزن "عِلم".
والضّعف هو أنّ تضيف إلى المقدار مثله أو أمثاله، وقد ورد هنا الجمع مؤكّداً بالكثرة (كثيرة) كما أنّ كلمة (يضاعف) فيها تأكيد على هذا المعنى أكثر من كلمة (يُضعّف)(3)، وكلّ ذلك يدلّ على أنّ الله تعالى يعطي كلّ من ينفق في سبيله الكثير الكثير كالبذرة التي تُبذر في أرض صالحة وتُسقى فينّميها ويعيدها إلى صاحبها أضعافاً كثيرة كما سيأتي في الآية (261).
وفي ختام الآية يقول: (والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون) وتشير الآية إلى أنّه لا تتصوروا إن الإنفاق والبذل سوف يؤدي إلى قلّة أموالكم، لأنّ سعة وضيق ارزاقكم بيد الله فهو القادر على أن يعوض ما انفقتموه أضعافاً مضاعفا، بملاحظة الإرتباط الوثيق لأفراد المجتمع، فإن نفس تلك الأموال التي انفقتموها سوف تعود إليكم في الواقع.
هذا من البعد الدنيوي، وأمّا البعد الآخروي للإنفاق فلا تنسوا أن جميع المخلوقات سوف تعود إلى الله عزّوجلّ وسوف يثيبكم حينذاك ويجزل لكم العطاء.
بحث
لماذا ورد التعبير بالقرض؟
لقد ورد التعبير بالقرض في مورد الإنفاق في عدّة آيات قرآنية، وهذا من جهة يحكي عظيم لطف الله بالنسبة لعباده، وأهمية مسائلة الإنفاق من جهة اُخرى، فالبرغم من أن المالك الحقيقي لجميع عالم الوجود هو الله تعالى وأن الناس يمثلون وكلاء عن الله في التصرف في جزء صغير من هذا العالم كما ورد في الآية /7/ من سورة الحديد (آمنوا بالله ورسوله وانفقوا ممّا جعلكم مستخلفين فيه).
ولكن مع ذلك يعود سبحانه إلى العبد ليستقرض منه وأيضاً استقراض بربح وفير جدّاً (فانظر إلى كرم الله ولطفه).
يقول الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة: "واستقرضكم وله خزائن السموات والأرض وهو الغني الحميد وإنّما أراد أن يبلوكم أيّكم أحسن عملاً"(4).
﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ﴾ ينفق في طاعته ﴿قَرْضًا حَسَنًا﴾ خالصا لوجهه أو حلالا طيبا ﴿فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ لا يحصيها إلا الله ﴿وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ﴾ يمنع ويوسع بحسب المصلحة ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ تأكيدا للجزاء.