ثالثاً: إِنَّ نوم أصحاب الكهف لم يكن نوماً عادياً: (وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود).
وهذا يدل على أنَّ أجفانهم كانت مفتوحة بالضبط مِثل الإِنسان اليقظ، وقد تكون هذه الحالة الإِستثنائية لكي لا تقترب منهم الحيوانات المؤذية التي تخاف الإِنسان اليقظ.
أو لكي يكون شكلهم مُرعباً كي لا يتجرأ إِنسان على الإِقتراب منهم.
وهذا بنفسه أُسلوب للحفاظ عليهم.
رابعاً: وحتى لا تتهرأ أجسامهم بسبب السنين الطويلة التي مكثوا فيها نياماً في الكهف، فإِنَّ الله تبارك وتعالى يقول: (وَنقلبهم ذات اليمين وذات الشمال).
حتى لا يتركز الدم في مكان معين، ولا تكون هُناك آثار سيئة على العضلات الملاصقة للأرض بسبب الضغط عليها لمدّة طويلة.
خامساً: في وصف جديد يقول تعالى: (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد).
كلمة "وصيد" وكما يقول الراغب في المفردات تعني في الأصل الغرفة أو المخزن الذي يتمّ إِيجاده في الجبال لأجل خزن الأموال، إِلاَّ أنَّ المقصود بهِ هنا هو فتحة الغار.
برغم أنَّ الآيات القرآنية لم تتحدث حتى الآن عن كلب أصحاب الكهف، إِلاَّ أنّ القرآن يذكر هُنا تعابير خاصّة تتضح مِن خلالها بعض المسائل، فمثلا ذكر حالة كلب أصحاب الكهف يفيد أنّه كان معهم كلب يتبعهم أينما ذهبوا ويقوم بحراستهم.
أمّا متى التحق هذا الكلب بهم، وهل كان كلب صيدهم، أو أنَّهُ كلب ذلك الراعي الذي التقى بهم في مُنتصف الطريق، وعندما عرف حقيقتهم أرسل حيواناته إِلى القرية والتحق بهم، لأنَّهُ كان يبحث عن الحقيقة مثلهم وقد رفض هذا الكلب أن يتركهم واستمرَّ معهم.
ألا يعني هذا الكلام أنَّ جميع المحبّين - لأجل الوصول إِلى الحق - يستطيعون سلوك هذا الطريق، وأنَّ الأبواب غير مغلقة أمام أحد سواء كانوا وزراء عند الملك الظالم ثمّ تابوا، أو كان راعياً، بل وحتى كلبه؟!
ألم يؤكّد القرآن أن جميع ذرات الوجود في الأرض والسماء، وجميع الأشجار والأحياء تذكر الله، وتحبّ الله في قلوبها وصميم وجودها؟ (راجع سورة الإِسراء - الآية 44).
سادساً: قوله تعالى: (لو اطلّعت عليهم لوليت مِنهم فراراً ولملئت مِنهم رُعباً).
إِنّها ليست المرّة الأُولى ولا الأخيرة التي يحفظ فيها الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين بالرعب والخوف، فقد واجهتنا في الآية (151) مِن سورة آل عمران صورة مُماثلة جسّدها قول الله تبارك وتعالى: (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب)(1).
وفي دعاء الندبة نقرأ كلاماً حول رسول الله(ص): "ثمّ نصرتهُ بالرعب".
أو ما هو سبب الرعب في مشاهدة أهل الكهف، وهل يعود ذلك لظاهرهم الجسماني، أو بسبب قوّة معنوية سرية؟الآيات القرآنية لم تتحدَّث عن ذلك، ولكن المفسّرين ذكروا بحوثاً مُفصَّلة في هذا المجال، ولعدم قيام الدليل عليها صرفنا النظر عن ذكرها.
كما أنّ قوله تعالى: (ولملئت مِنهم رعباً) في الحقيقة عِلَّة لقوله تعالى:
(لوليت مِنهم فراراً) يعني لكُنت تهرب بسبب الخوف الذي يملأ قلبك، وكأنَّ قلبك مملوء بالخوف، وينفذ إلى ذرّات وجودك بحيث أنَّ جميع وجود الإِنسان يُصاب بالوحشة والخوف.
على أي حال، إِذا أراد الله شيئاً فإِنَّهُ يُحقق أهم النتائج مِن خلال أبسط الطرق.
﴿وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا﴾ ترى أعينهم مفتوحة أو لتقلبهم ﴿وَهُمْ رُقُودٌ﴾ نيام ﴿وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ﴾ لئلا تأكلهم الأرض ﴿وَكَلْبُهُم﴾ واسمه قطمير كلب راع مروا به فتبعهم فطردوه فقال أنا أحب أولياء الله فناموا حتى أحرسكم ﴿بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ﴾ حكاية حال ماضية ولذا عمل ﴿بِالْوَصِيدِ﴾ بفناء الكهف أو العتبة أو الباب لم ينم ولم يقم وقيل هو مثلهم في النوم والتقلب ﴿لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ﴾ ورأيتهم ﴿لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا﴾ هربت منهم ﴿ وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا﴾ خوفا لهيبة ألبسهم الله إياها أو لعظم إجرامهم وانفتاح عيونهم.