لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
(إِلاَّ أن يشاء الله) يعني يجب أن تقول (إِن شاء الله) لكل ما يخص أخبار المستقبل وأحداثه و لكل تصميم تتخذه، لأنّك أوّلا غير مستقل في اتّخاذ القرارات، وإِذا لم يشأ الله فإنَّ كائناً مَن كان لا يستطيع القيام بأيِّ عمل، لذا ولأجل أن تُثبت أنَّ قوّتك قبس مِن قوّة الله الأزلية، وأنّها مرتبطة بقدرته، أضف عبارة (إِن شاء الله) إِلى كلامك. ثانياً: لا يصح للإِنسان - من الوجهة المنطقية - أن يقطع في أخباره المستقبلية ومواقفه وتصميماته، لأنَّ قدرته محدودة مع احتمال ظهور الموانع المختلفة، لذلك الأفضل له ذكر جملة (إِن شاء الله) مع كل تصميم لفعل شيء. بعض المفسّرين احتملوا أن يكون مُراد الآية هو أن تنفي استقلال الإِنسان في إِنجاز الأعمال، حيث يصبح مفهوم الآية: إِنّك لا تستطيع أن تقول: إِنّك ستقوم بالعمل الفلاني غداً إِلاَّ أن يشاء الله ذلك. بالطبع فإنّ لازم هذا القول أن الكلام سيكون تاماً مع اضافة (ان شاء الله) ولكن هذا اللزوم سيكون للجملة لا للمتن كما هو الحال في التّفسير الأوّل(1). سبب النّزول الذي أوردناه في بداية الآيات يُؤيد التّفسير الأوّل، حيثُ أنَّ الرّسول(ص) قد وعد بالإِجابة على أسئلة قريش حول أصحاب الكهف وغيرها بدون ذكر جملة (إِن شاء الله) لذلك تَأخَّر عنهُ الوحي فترة، لكي يكون ذلك تحذيراً لرسول الله(ص) ويكون عبرة لجميع الناس. وبعد ذلك يقول القرآن: (واذكر ربّك إِذا نسيت) وهذه إِشارة إِلى أنَّ الإِنسان إِذا نسي قول (إِن شاء الله) وهو يتحدَّث عن أمر مستقبلي، فعليه أن يقولها فَور تذكره، حيث يُعوَّض بذلك عمّا مضى منه. وبعد ذلك جاء قوله تعالى: (وقل عسى أن يهدين ربّي لأقرب مِن هذا رشداً). بحوث 1 - قوله تعالى: (رجماً بالغيب) كلمة (رجم) تعني في الأصل الحجارة أو رمي الحجارة، ثمّ أطلقت بعد ذلك على أي نوع مِن أنواع الرمي. وتستخدم في بعض الأحيان كناية عن (الإتهام) أو (الحكم استناداً إِلى الظن والحدس). وكلمة (بالغيب) تأكيداً لهذا المعنى، يعني لا تحكم بدون الاستناد على مصدر أو علم. 2 - الواو في قوله: (وثامنهم كلبهم) في الآيات أعلاه وردت جملة (رابعهم كلبهم) و (سادسهم كلبهم) بدون (واو) في حين أنَّ جملة (وثامنهم كلبهم) بدأت بالواو. ولأنَّ جميع تعابير القرآن تنطوي على ملاحظات ومغاز، لذلك نرى أنَّ المفسّرين بحثوا كثيراً في معنى هذه الواو. ولعل أفضل تفسير لها هو ما قيل مِن أنَّ هذه (الواو) تُشير إِلى آخر الكلام وآخر الحديث، كما هو شائع استخدامه في أُسلوب التعبير الحديث، إِذ توضع الواو لآخر شيء من مجموعة الأشياء التي تذكر مثلا نقول (جاء زيد، عمر، حسن، ومحمّد) فهذه الواو إِشارة إِلى آخر الكلام وتُبيِّن الموضوع والمصداق الأخير. هذا الكلام منقول عن المفسّر المعروف (ابن عباّس)، وقد أيده بعض المفسّرين، واستفادوا مِن هذه (الواو) لتأييد القول في أنَّ عدد أصحاب الكهف الحقيقي هو سبعة، حيثُ أنَّ القرآن بعد ذكر الأقوال الباطلة، أبانَ في الأخير العدد الحقيقي لهم. البعض الآخر مِن المفسّرين كالقرطبي والفخر الرازي ذكروا رأياً آخر في تفسير هذه (الواو) وخلاصته: "إنّ العدد سبعة عند العرب عدد كامل، ولذلك فإِنّهم يَعُدَّون حتى السبعة بدون واو. أمّا بمجرّد أن يتجاوزوا هذا العدد فإنّهم يأتون بالواو التي هي دليل على بداية الكلام والإِستئناف. لذلك تُعرف (الواو) هذه عند الأدباء العرب بأنّها (واو الثَمانية)". وفي الآيات القرآنية غالباً ما يُواجهنا هذا الموضوع، فمثلا الآية (112) مِن سورة التوبة عندما تُعدِّد صفات المجاهدين في سبيل الله تذكر سبع صفات بدون واو وعندما تذكر الصفة الثامنة فإِنّها تذكرها مع الواو فتقول: (والنّاهون عن المنكر والحافظون لحدود الله). وفي الآية (رقم 5) مِن سورة التحريم، تذكر الآية في وصف نساء النّبي(ص) سبع صفات ثمّ تذكر الثّامنة مع الواو حيث تقول: (ثيبات وأبكاراً). وفي الآية (71) مَن سورة الزمر التي تتحدَّث عن أبواب جهنَّم تقول: (فُتحت أبوابها) إِلاَّ أنّها وبعد آيتين وعند الحديث عن أبواب الجنة تقول الآية: (وفتحت أبوابها). أليس ذلك بسبب أنَّ أبواب النار سبعة، وأبواب الجنّة ثمانية؟ طبعاً قد لا يكون هذا تعبيراً عن قانون كُلّي، ولكنَّهُ - في الأغلب - يُعبِّر عن ذلك. في كل الأحوال يظهر مِن ذلك أنَّ حرف (الواو) وهو مجرّد حرف، لهُ حسابٌ خاص في الإِستعمال ويُظهر حقيقة معينة. 3 - المسجد إلى جوار المقبرة ظاهر تعبير القرآن أنَّ أصحاب الكهف ماتوا أخيراً ودفنوا، وكلمة "عليهم" تؤيِّد هذا القول. بعد ذلك قرَّر محبّوهم بناء مسجد بجوار مقبرتهم، وقد ذكر القرآن هذا الموضوع في الآيات أعلاه بلهجة تُنم عن الموافقة، وهذا الأمر يدل على أنَّ بناء المساجد لاحترام قبور عظماء الدين ليسَ أمراً محرماً - كما يظن ذلك الوهابيون - بل هو عمل حلال ومُحَبَّذ ومطلوب. وعادة فإِنَّ بناء الأضرحة التي تُخلَّد الأشخاص الكبار أمرٌ شائع بين أُمم العالم وشعوبه، ويبيّن جانب الإِحترام لمثل هؤلاء الأشخاص، وتشجيع لمن يأتي بعدهم، والإِسلام لم ينه عن هذا العمل، بل أجازه وأقرّه. إِنَّ وجود مثل هذه الأبنية سند تأريخي للتدليل على وجود هذه الشخصيات والرموز وعلى منهجها ومواقفها، ولهذا السبب فإِنَّ الأنبياء والشخصيات الذين هُجرت قبورهم فإنّ تأريخهم أمسى موضعاً للشك والإِستفهام. ويتّضح مِن ذلك أيضاً أن ليس هُناك تضاد بين بناء المساجد والأصرخة وبين قضية التوحيد واختصاص العبادة بالله تعالى، بل هما موضوعان مُختلفان. بالطبع هُناك بحوث كثيرة حول هذا الموضوع فليراجع إِلى مظانها. 4 - كل شيء يعتمد على مشيئته تعالى إِنَّ ذكر جُملة (إِن شاء الله) عند اتّخاذ القرارات المرتبطة بالمستقبل ليسَ نوعاً مِن الأدب في محضر الخالق جلَّ وعلا وحسب، بل هُوَ بيان لحقيقة أنّنا لا نملك شيئاً مِن عندنا، بل هُوَ مِن عنده تعالى، وكُلنا نعتمد ونستند إِليه لأنّه هو المستقل بالذات فقط، فلو تحركت كل السكاكين والشفرات في العالم لِتقطع عرقاً واحداً فإِنّها لا تستطيع مِن دون إِذنه تعالى. إِنَّ هذه الحقيقة هي نفسها (توحيد الأفعال) ففي الوقت الذي يملك الإِنسان حريته وإِرادته، فإِنَّ تحقق أي شيء وأي عمل إِنّما يرتبط بمشيئة الخالق جلّ َوعلا. إِنَّ تعبير (إِن شاء الله) يزيد مِن توجهنا نحو الله تبارك وتعالى، ويمنحنا القوّة والقدرة على الإِنجاز، وهو مَدْعاة إِلى تزكية وطهارة وصحة الأعمال أيضاً. ونستفيد مِن بعض الرّوايات أنَّ الإِنسان إِذا ذكر كلاماً عن المستقبل بدون ذكر (إِن شاء الله) فإِنَّ الله سوف يَكِلُهُ إِلى نفسه ويُخرجه مِن مظلة حمايته(2). وفي حديث عن الإِمام الصادق(ع) نقرأ أنَّهُ(ع) أمر يوماً بكتابة رسالة، وعندما جاؤوا بالرسالة إِليه وجدها خالية مِن كلمة (إِن شاء الله) فقال(ع): "كيف رَجوتم أن يتمّ هذا وليسَ فيه استثناء، انظروا كل موضع لا يكون فيه استثناء فاستثنوا فيه". 5 - الإِجابة على سؤال قرأنا في الآيات - محل البحث - أنَّ الله يخاطب رسوله بقوله: (واذكر ربّك إِذا نسيت)(3) وهي إِشارة إِلى أنك عندما تنسى ذكر (إِن شاء الله) وتتذكر بعد ذلك فعليك باستدراك الأمر بذكر (إِن شاء الله). وفي الأحاديث العديدة الواردة عن أهل البيت(عليهم السلام) - في تفسير الآية - هُناك تأكيد على هذا الموضوع حتى بعد مرور سنة إِذا تذكرت فعليك أن تقول (إِن شاء الله) عِوضاً عمّا فاتك وعمّا نسيته(4). والآن قد يُطرح هذا السؤال وهو: إِذا جازَ نسبة النسيان إِلى رسول الله(ص)في حين أنَّ الناس يعتمدون على أقواله وأعماله، فكيف يستقيم ذلك مَع دليل عصمة الأنبياء والرُسل والأئمّة مِن الخطأ والنسيان؟ ولكن ينبغي الالتفات الى أنَّ الكثير مِن الآيات القرآنية يكون الحديث فيها مُوجهاً إِلى الرُسُل في حين أنَّ المعنيّ بها عامّة الناس، وهي كما يقول المثل العربي، "إِياك أعني واسمعي يا جارة". بعض المفكرين الكبار ذكروا جواباً على هذا السؤال أوردناه في نهاية الحديث عن الآية (68) مِن سورة الأنعام. ﴿إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ﴾ إلا متلبسا بمشيئته قائلا إن شاء الله ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ﴾ أي مشيئته مستثنيا بها ﴿إِذَا نَسِيتَ﴾ الاستثناء ثم ذكرته وروي ولو بعد سنة أو المعنى اذكره بالتسبيح والاستغفار إذا نسيت الاستثناء أو اذكره إذا اعتراك نسيان ليذكرك المنسي ولعل الخطاب من باب إياك أعني ﴿وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ﴾ بالياء وبدونها ﴿رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا﴾ من بناء أهل الكهف ﴿رَشَدًا﴾ أي لما هو أظهر منه دلالة على نبوتي وقد فعل.