لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
(هُنالك الولاية لله الحق) نعم، لقد أتضح أنَّ جميع النعم مِنهُ تعالى، وأنَّ كل ما يريده تعالى يكون طوع إِرادته، وأنَّهُ بدون الإِعتماد على لُطفه لا يمكن إِنجاز عمل: (هو خيرٌ ثواباً وخير عقباً). إِذن، لو أراد الإِنسان أن يحب أحداً ويعتمد على شيء ما، أو يأمل بهديه مِن شخص ما، فمن الأفضل أن يكون الله سبحانه محط أنظاره، وموقع آماله، ومِن الأفضل أن يتعلق بلطفه تعالى وإِحسانه. بحثان 1 - غرور الثروة في هذه القصّة نشاهد تجسيداً حياً لما نطلق عليه اسم غرور الثروة، وقد عرفنا أنَّ هذا الغرور ينتهي أخيراً إلى الشرك والكفر. فعندما يصل الأفراد الذين يعيشون حياتهم بلا غاية وهدف إِيماني إلى منزلة معينة مِن القدرة المالية أو الوجاهة الإِجتماعية، فإِنّهم في الغالب يُصابون بالغرور. وفي البداية يسعون إلى التفاخر بإِمكاناتهم على الآخرين ويعتبرونها وسيلة تفوّق، ويرون مِن التفاف أصحاب المصالح حولهم دليلا على محبوبيتهم، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله: (أنا أكثر منك مالا وأعز نفراً). ويتبدّل حبّ هؤلاء للدنيا تدريجياً بفكرة الخلود فيها: (ما أظن أن تبيد هذه أبداً). إِنَّ ظنَّهم بخلود ثرواتهم المادية يجعلهم يُنكرون المعاد للتضاد الواضح بين ما هم فيه وبين مبدأ البعث والمعاد، فيكون لسان حالهم: (وما أظن الساعة قائمة). والأنكى مِن ذلك هو أنّهم يعتبرون مقامهم ووجاهتهم في هذه الدنيا دليلا على قرب مقامهم من محضر القدس الإِلهي، فيقولون: (وَلئن رُددتُ إلى ربّي لأجدنَّ خيراً مِنها مُنقلباً). هذه المراحل الأربع نجدها واضحة في حياة أصحاب القدرة من عبيد الدنيا، مع فوارق نسبية فيما بينهم، فيبدأ مسيرهم الانحرافي مِن الإِغترار بما لديهم مِن قوة وقدرة، ويتصاعد انحرافهم إلى الشرك وعبادة الأصنام والكفر وإِنكار المعاد، لأنّهم يعبدون القدرة المادية ويجعلونها صنماً دون سِواها. 2 - دروس وعبر هذا المصير المقترن بالعبرة والذي ذُكِرَ هُنا بشكل سريع يتضمّن بالإِضافة إلى الدرس الآنف، دروساً أُخرى ينبغي أن نتعلمها، وهذه الدروس هي: أ: مهما كانت نعم الدنيا المادية كبيرة وواسعة، فإِنّها غير مُطمئنة وغير ثابتة، فصاعقة واحدة تستطيع في ليلة أو في لحظات معدودة أن تُبيد البساتين والمزارع التي يكمن فيها جهد سنين طويلة مِن عمر الإِنسان، وتحيلها إلى تل مِن تراب ورماد وأرض يابسة زلقة. إِنَّ زلزلة واحدة خفيفة يمكن أن تقضي على العيون الفّوارة التي هي الأصل في هذه الحياة، بالشكل الذي لا يمكن معهُ ترميمها أبداً. ب: إِنَّ الأصدقاء الذين يلتفون حول الإِنسان بغرض الإِفادة مِن إِمكاناته المادية هم بدرجة من اللامبالاة وعلى قدر مِن الغدر والخيانة بحيث أنّهم يتخلّون عنهُ في نفس اللحظة التي تزول فيها إِمكاناته المادية ويتركونهُ وحيداً لهمومه: (ولم تكن لهُ فئة ينصرونه مِن دون الله). هذا النوع مِن الأحداث الذي طالما سمعنا ورأينا لهُ نماذج تُبرهن على أنَّ الإِنسان لا يملك سوى التعلق بالله وحده، وأنَّ الأصدقاء الحقيقيين والأوفياء للإِنسان هم الذين تصنعهم الروابط والعلائق المعنوية، إِذ يستمر ودُّ هؤلاء في حال الفقر والثروة، في الشباب والشيبة، في الصحة والمرض، في العز والذلة، بل وتستمر مودّة هؤلاء إلى ما بعد الموت! ج: لا فائدة من الصحوة بعد نزول البلاء: لقد أشرنا مِراراً إلى أنَّ اليقظة الإِجبارية لدى الإِنسان ليست دليلا على يقظة داخلية حقيقية هادية، وليست علامة على تغيير مسير الإِنسان، أو ندمه على أعماله السابقة وعلى ما كان فيها مِن معصية وانحراف، بل كل ما في الأمر هو أنَّ الإِنسان عندما ينزل بساحته البلاء أو يرى عمود المشنقة، أو تحيط به أمواج البلاء والعواصف، فهو يتأثر للحظات لا تتعدى مدة البلاء ويتخذ قراراً بتغيير مصيره، ولكن لأنَّهُ لا يملك أساساً متيناً في أعماقه، فإِنَّهُ بانتهاء البلاء يغفل عن صحوته هذه ويعود إلى خطّة ومسيره الأوّل. لو تأملنا الآية (18) مِن سورة النساء لرأينا مِن خلالها أنَّ أبواب التوبة تغلق أمام الإِنسان عند رؤية علائم الموت، وسبب هذا الأمر هو ما ذكرناه أعلاه. وفي الآيات (90 - 91) مِن سورة يونس يقول القرآن حول فرعون عندما صارَ مصيره إلى الغرق وعصفت بهِ الأمواج، فإِذا به يصرخ ويقول: (آمنت أنّه لا إله إِلاّ الذي آمنت به بنو إِسرايئل) إِلاَّ أنَّ هذه التوبة تُرد عليه ولا تقبل منهُ: (الآن وقد عصيت)! د: لا الفقر دليل الذلة ولا الثروة دليل العزة: وهذا درس آخر نتعلمهُ مِن الآيات أعلاه، طبيعي أنَّ المجتمعات المادية والمذاهب النفعية غالباً ما تتوهم بأنَّ الفقر والثروة هما دليل الذلة والعزة، لهذا السبب لاحظنا أنَّ مُشركي العصر الجاهلي يعجبون مِن يتمّ رسول الإِسلام(ص)وفقره ويقولون: (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل مِن القريتين عظيم)(1). هـ: أسلوب تحطيم الغرور: عندما تبدأ بواعث الغرور تقترب مِن الإِنسان وتناجي أعماقه بسبب المال والمنصب، فيجب عليه أن يقطع تلك الوسوسة مِن جذورها، عليه أن يتذكر ذلك اليوم الذي كانَ فيه تراباً لا قيمة له; وذلك اليوم الذي كان فيه نطفة لا قيمة لها، عليه أن يعي اللحظة التي كان فيها وليداً ضعيفاً لا يقدر على الحركة. لاحظنا القرآن في الآيات الآنفة كيف يعيد مِن خلال خطاب الرجل المؤمن، صاحب البستان إِلى وضعه العادي: (أكفرت بالذي خلقك مِن تراب ثمّ مِن نطفة ثمّ سوّاك رجلا). و: درسٌ مِن عالم الطبيعة: القرآن عندما يصف البساتين المثمرة يقول: (ولم تظلم منهُ شيئاً) ولكنَّهُ عندما يتحدث عن صاحب البستان يقول: (ودخل جنته وهو ظالم لنفسه). يعني: أيّها الإِنسان، أنظر إلى الوجود مِن حولك، ولاحظ أنَّ هذه الأشجار المثمرة والزراعة المباركة كيف آتت كل ما عندها بأمانة وقدمته لك، فلا مجال عندها للإِحتكار والحسد والبخل، فعالم الوجود هو ساحة للإِيثار والبذل والعفو، فما تمتلكهُ الأرض تقدمهُ بإِيثار إلى الحيوانات والنباتات، وتضع الأشجار والنباتات كل ثمارها ومواهبها في إِختيار الإِنسان والأحياء الأُخرى، وقرص الشمس يضعف يوماً بعد آخر وهو يشع النور والدفء والحرارة; الغيوم تمطر والرياح تهب، لتتسع أمواج الحياة في كل مكان. هذا هو نظام الوجود، ولكنّك أيّها الإِنسان تريد أن تكون سيد الوجود ومع ذلك تسحق قوانينه الثابتة البيِّنة. فتكون رقعة نشاز غير متناسقة في عالم الوجود تريد أن تستحوذ على كل شيء وتصادر حقوق الآخرين! ﴿هُنَالِكَ﴾ في ذلك المقام أو يوم القيامة ﴿الْوَلَايَةُ﴾ بفتح الواو النصرة وبكسرها الملك ﴿لِلَّهِ الْحَقِّ﴾ وحده ﴿هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا﴾ من ثواب غيره ﴿وَخَيْرٌ عُقْبًا﴾ عاقبة للمؤمنين.