التّفسير
بداية ونهاية الحياة في لوحة حيَّة: الآيات السابقة تحدَّثت عن عدم دوام نعم الدنيا، ولأنَّ إِدراك هذه الحقيقة لعمر بطول (60 ـ80) سنة يُعتبر أمراً صعباً بالنسبة للأفراد العاديين، لذا فإِنَّ القرآن قد جسَّدَ هذه الحقيقة مِن خلال مثال حي ومُعبِّر كي يستيقظ الغافلون المغرورون مِن غفلتهم ونومهم عندما يشاهدون تكرار هذا الأمر عدّة مرّات خلال عمرهم.
يقول تعالى: (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه مِن السماء) هذه القطرات الواهبة للحياة تسقط على الجبال والصحراء، وتعيد الحياة للبذور المستعدة الكامنة في الأرض المستعدَّة بدورها، لتبدأ حركتها التكاملية.
إِنَّ الطبقة الخارجية السميكة للبذور تلين قبال المطر، وتسمح للبراعم في الخروج منها، وأخيراً تشق هذِ البراعم التراب وتخترقه، الشمس تشع، النسيم يهب، المواد الغذائية في الأرض تقدِّم ما تستطيع، تتقوى البراعم بسبب عوامل الحياة هذه ثمّ تُواصل نموها، بحيث - بعد فترة - نرى أن نباتات الأرض تتشابك فيما بينها: (فاختلط به نبات الأرض).
الجبل والصحراء يتحولان إلى قوّة حياتية دافعة، أمّا البراعم والفواكه والأوراد فإِنّها تزيِّن الأغصان، وكأنَّ الجميع يضحك، يصرخون صُراخ الفرح; يرقصون فرحاً!
لكن هذا الواقع الجذّاب لا يدوم طويلا، حيث تهب رياح الخريف وتلقي بغبار الموت على النباتات، يبرد الهواء، وتشح المياه، ولا تمضي مدّة حتى يمسى ذلك الزرع الجميل الأخضر ذو الأغصان المورقة، ميتاً ويابساً:(فأصبحَ هشيماً)(1).
تلك الأوراق التي لم تتمكن العواصف الهوجاء مِن فصلها عن الأغصان في فصل الربيع، قد أصبحت ضعيفة بدون روح بحيث أنَّ أي نسيم يهب عليها يستطيع فصلها عن الأغصان ويرسلها إلى أي مكان شاء: (تذروه الرياح)(2).
نعم: (وكانَ الله على كل شيء مُقتدراً).
﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ صفتها هي ﴿كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ﴾ فالتفت بسببه ﴿نَبَاتُ الْأَرْضِ﴾ أو امتزج الماء بالنبات ﴿فَأَصْبَحَ هَشِيمًا﴾ كسر مهشوما ﴿تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ﴾ تطيره وتذهبه شبهت بنبات أخضر بالماء فيبس فتفتت فأذهبته الرياح ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا﴾ قادرا.