التّفسير
يا ويلتاه مِن هذا الكتاب!
تعقيباً لما كانت تتحدث به الآيات السابقة عن غرور الإِنسان وإِعجابه بنفسه، وما تؤدي إليه هذه الصفات مِن إنكار للبعث والمعاد، يَنصب المقطع الراهن مِن الآيات التي بين أيدينا على تبيان المراحل المُمَهِدَة للقيامة وفق الترتيب الآتي:
1 - مرحلة ما قبل بعث الإنسان.
2 - مرحلة البعث.
3 - قسم مِن مرحلة ما بعد البعث.
الآية الأُولى تذكّر الإِنسان بمقدمات البعث والقيامة فتقول: إِنَّ إِنهيار معالم الشكل الراهن للعالم هي أوّل مقدمات البعث، وسيتمّ هذا التغيير لشكل العالم مِن خلال مجموعة مظاهر، في الطليعة مِنها تسيير الجبال الرواسي وكل ما يُمسك الأرض ويبرز عليها، حتى تبدو الأرض خالية مِن أيّ مِن المظاهر السابقة: (ويوم نسيّر الجبال وترى الأرض بارزة).
هذه الآية تشير إلى حوادث قبيل البعث، وهي حوادث كثيرة جدّاً.
والملاحظ أنَّ السور القصار تتحدث عنها بشكل بارز في إِطار حديثها عمّا بات يُعرف اصطلاحاً بـ "أشراط الساعة".
إنَّ المستفاد مِن مجموعة تلك السور أنَّ وجه العالم الراهن يتغيِّر بشكل كُليّ حيثُ تتلاشي الجبال، وتنهار الأبنية والأشجار، ثمّ تضرب الأرض سلسلة مِن الزلازل، وتنطفيء الشمس، ويخمد نور القمر، وتظلم النجوم.
وعلى حطام كل ذلك تظهر إِلى الوجود سماء جديدة، وأرض جديدة، ليبدأ الإِنسان حينئذ حياته الأُخرى في مرحلة البعث والحساب.
بعد ذلك تضيف الآية قوله تعالى: (وحشرناهم فلم نغادر مِنهم أحداً).
"نغادر" مِن "غدر" بمعنى الترك.
ولذلك يقال للذي يُخلف الوعد والميثاق ويتركه بأنَّهُ "غدر" ويقال لمياه الامطار المتجمعة في مكان واحد بـ "الغدير" لأنّها قد تركت هناك.
في كل الأحوال، تؤكّد الآية الآنفة الذكر على أنَّ المعاد هو حالة عامّة لا يستثنى مِنها أحد.
﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ﴾ في الجو كالسحاب أو نذهب بها فنعدمها ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً﴾ لا يسترها جبل ولا غيره أو بارزة ما في بطنها ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ﴾ جمعناهم إلى الموقف وجاء ماضيا لتحققه ﴿فَلَمْ نُغَادِرْ﴾ نترك ﴿مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ من الأولين والآخرين.