التّفسير
في انتظار العقاب:
تنطوي هذه الآيات على تلخيص واستنتاج لما ورد في الآيات السابقة، وهي تُشير - أيضاً - إلى بحوث قادمة.
الآية الأُولى تقول: (ولقد صرَّفنا في هذا القرآن للناسِ من كل مثل).
لقد ذكرنا نماذج مِن تأريخ الماضين المليء، بالإِثارة، وقد أوضحنا للناس الحوادث المرَّة للحياة واللحظات الحلوة في التأريخ، وقد قلّبنا بيان هذه الأُمور بحيث تتقبلها القلوب المستعدّة للحق، وتكون الحجة على الآخرين تامّة، ولا يبقى ثمّة مجال للشك.
ولكن بالرغم مِن هذا فإِنَّ مجموعة عُصاة لم يؤمنوا أبداً: (وكانَ الإِنسانُ أكثر شيء جدلا).
"صرّفنا" مِن "تصريف" وتعني التغيير والتحوَّل من حال إلى حال.
الهدف مِن هذا التعبير في الآية أعلاه هو أنّنا تحدثنا مع الناس بكل لسان يمكن التأثير به عليهم.
"جدل" تعني محادثة الآخرين على أساس المُنازعة وإِظهار نزعة التسلَّط على الآخرين.
ولهذا فإِنَّ (المجادلة) تعني قيام شخصين بإِطالة الحديث في حالة مِن التشاجر، وهذه الكلمة في الأصل مأخوذة - وكما يقول الراغب في المفردات - مِن (جدلت الحبل) أي ربطت الحبل بقوّة، وهي كناية عن أنَّ الشخص المجادل يستهدف مِن خلال جدله أن يحرف الشخص الآخر - بالقوّة - عن أفكاره.
وقال آخرون: إنَّ أصل (الجدال) هو بمعنى المصارعة وإِسقاط الآخر على الأرض.
وهي تستعمل أيضاً في الدلالة على الشجار اللفظي.
في كل الأحوال، يكون المقصود بالناس في الآية هُم تلك الفئة التي لا تقوم في وجودها وممارساتها على أُصول التربية الإِسلامية وقواعدها، وقد أكثر القرآن في استعمال هذه التعابير، وقد شرحنا هذه الحالة مفصلا في نهاية الحديث عن الآية (12) مِن سورة يونس.
﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا﴾ بينا ﴿فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ﴾ الكافر ﴿أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ خصومة بالباطل وهو تمييز.