في الآية التالية يذكر القرآن الكريم موضوع المواجهة الحاسمة بين الجيشين ويقول: (ولمّا برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربّنا أفرغ علينا صبراً وثبّت أقدامنا وأنصرنا على القوم الكافرين).
(برزوا) من مادّة (بروز) بمعنى الظّهور، فعندما يستعد المحارب للقتال ويتّجه إلى الميدان يقال أنّه برز للقتال، وإذا طلب القتال من الأعداء يُقال أنّه طلب مبارزاً.
تقول هذه الآية أنّه عندما وصل طالوت وجنوده إلى حيث ظهر لهم جالوت وجيشه القوي ووقفوا في صفوف أمامه رفعوا أيديهم بالدّعاء، وطلبوا من الله العليّ القدير ثلاثة اُمور، الأوّل: الصّبر والإستقامة إلى آخر حد، ولذا جاءت الجملة تقول: (أفرغ علينا صبراً).
و (الإفراغ) تعني في الأصل صبّ السائل بحيث يخلو الإناء ممّا فيه تماماً، ومجيء (صبر) بصيغة النكرة يؤكّد هذا المعنى بشكل أكبر.
الإعتماد على ربوبيّة الخالق جلّ وعلا بقولهم (ربّنا) وكذلك عبارة (إفراغ) مضافاً إلى كلمة (على) التي تبيّن أنّ النزول من الأعلى، وكذلك عبارة (صبراً) في صيغة النكرة كلّ هذه المفردات تدلُّ على نكات عميقة لمفهوم هذا الدعاء وأنّه دعاء عميق المغزى وبعيد الأُفق.
الثاني: أنّهم طلبوا من الله تعالى أن يثبّت أقدامهم (وثبّت أقدامنا) حتّى لا يُرجّح الفرار على القرار، والواقع أنّ الدعاء الأوّل إتّخذ سمة الطلب النفسي والباطني، وهذا الدعاء له جنبة ظاهريّة وخارجيّة، ومن المسلّم أنّ ثبّات القدم هو من نتائج روح الإستقامة والصبر.
الثالث: من الاُمور التي طلبها جيش طالوت هو (وانصرنا على القوم الكافرين) وهو في الواقع الهدف الأصلي من الجهاد ويُنفّذ النتيجة النهائيّة للصبر والإستقامة وثبات الأقدام.
﴿وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا﴾ في مداحض الحرب ﴿وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ بذلك وبإلقاء الرعب في قلوبهم.