لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ومن المسلّم أنّ الله تعالى سوف لا يترك عبادة هؤلاء لوحدهم أمام الأعداء مع قلّة عددهم وكثرة جيش العدو، ولذلك تقول الآية التالية: (فهزموهم بإذن الله وقتل داوود جالوت). وكان داوود في ذلك الوقت شابّاً صغير السن وشجاعاً في جيش طالوت. ولا تبيّن الآية كيفيّة قتل ذلك الملك الجبّار بيد داود الشاب اليافع، ولكن كما تقدّم في شرح هذه القصّة أنّ داود كان ماهراً في قذف الحجارة بالقلاّب حيث وضع في قلاّبه حجراً أو اثنين ورماه بقوّة وبمهارة نحو جالوت، فأصاب الحجر جبهته بشدّة فصرعه في الوقت، فتسّرب الخوف إلى جميع أفراد جيشه، فانهزموا بسرعة أمام جيش طالوت، وكأنّ الله تعالى أراد أن يظهر قدرته في هذا المورد وأنّ الملك العظيم والجيش الجرّار لا يستطيع الوقوف أمام شاب مراهق مسلّح بسلاح ابتدائي لا قيمة له. تضيف الآية: (وآتاه الله الملك والحكمة وعلّمه ممّا يشاء) الضّمير في هاتين الجملتين يعود على داود الفاتح في هذه الحرب، وعلى الرّغم من أنّ الآية لا تقول أنّ داود هذا هو داود النبي والد سليمان (عليهما السلام) ولكنّ جملة (وآتاه الله الملك والحكمة وعلّمه ممّا يشاء) تدلّ على أنّه وصل إلى مقام النبوّة، لأنّ هذا ممّا يوصف به الأنبياء عادةً، ففي الآية 20 من سورة ص نقرأ عن داود (وشددنا ملكه وآتيناه الحكم) كما أنّ الأحاديث الواردة في ذيل هذه الآية تشير إلى أنّه كان داود النبي نفسه. وهذه العبارة يمكن أن تكون إشارةإلى العلم الإداري وتدبير البلاد وصنع الدّروع ووسائل الحرب وأمثال ذلك حيث كان داود (عليه السلام) يحتاج إليها في حكومته العظيمة، لأنّ الله تعالى لا يُعطي منصباً ومقاماً لأحد العباد إلاّ ويؤتيه أيضاً الاستعداد الكامل والقابليّة اللاّزمة لذلك. وفي ختام الآية إشارة إلى قانون كلّي فتقول: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكنّ الله ذو فضل على العالمين). فالله سبحانه وتعالى رحيم بالعباد ولذلك يمنع من تشرّي الفساد وسرايته إلى المجتمع البشري قاطبة. وصحيح أنّ سنّة الله تعالى في هذه الدنيا تقوم على أصل الحريّة والإرادة والإختيار وأنّ الإنسان حرٌّ في اختيار طريق الخير أو الشر، ولكن عندما يتعرّض العالم إلى الفساد والإندثار بسبب طغيان الطّواغيت، فإنّ الله تعالى يبعث من عباده المخلصين من يقف أمام هذا الطغيان ويكسر شوكتهم، وهذه من ألطاف الله تعالى على عباده. وشبيه هذا المعنى ورد في آية 40 من سورة الحج (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد...). وهذه الآيات في الحقيقة بشارة للمؤمنين الّذين يقفون في مواقع أماميّة من مواجهة الطّواغيت والجبابرة فينتظرون نصرة الله لهم. ويرد هنا سؤال، وهو أنّ هذه الآية هل تشير إلى مسألة تنازع البقاء التي تعتبر أحد الأركان الأربعة لفرضية داروِن في مسألة تكامل الأنواع؟ تقول الفرضيّة أنّ الحرب والنّزاع ضروريٌّ بين البشر، وإلاّ فالسّكون والفساد سيعم الجميع، فتعود الأجيال البشريّة إلى حالتها الاُولى، فالتّنازع والصّراع الدائمي يؤدّي إلى بقاء الأقوى وزوال الضعفاء وانقراضهم، وهكذا يتمّ البقاء للأصلح بزعمهم. الجواب: إنّ هذا التفسير يصح فيما إذا قطعنا صله هذه الآية لما قبلها تماماً، وكذلك الآية المشابهة لها في سورة الحجّ ولكنّنا إذا اخذنا بنظر الإعتبار هذه الآيات رأيناها تدور حوّل محاربة الظّالمين والطّغاة، فلولا منع الله تبارك وتعالى لملؤوا الأرض ظلماً وجوراً، فعلى هذا لا تكون الحرب أصلاً كليّاً مقدّساً في حياة البشريّة. ثمّ أنّ ما يقال عن قانون (تنازع البقاء) المبني على المبادىء الأربعة لنظريّة داروِن في (تطوّر الأنواع) ليست قانوناً علميّاً مسلّماً، به بل هو فرضيّة أبطلها العلماء، وحتّى الّذين كانوا يؤيّدون نظريّة تكامل الأنواع لم يعد أيّاً منهم يعوّل عليها ويعتبرون تطوّر الأحياء نتيجة الطفرة(8). وإذا ما تجاوزنا عن كلّ ذلك واعتبرنا فرضيّة تنازع البقاء مبدءً علميّاً فإنّه يمكن أن يكون كذلك فيما يتعلّق بالحيوان دون الإنسان، لأنّ حياة الإنسان لا يمكن أن تتطوّر وفق هذا المبدأ أبداً، لأنّ تكامل الإنسان يتحقّق في ضوء التّعاون على البقاء لا تنازع البقاء. ويبدو أنّ تعميم فرضيّة تنازع البقاء على عالم الإنسان انّما هو ضربٌ من الفكر الاستعماري الّذي يؤكّده بعض علماء الإجتماع في الدول الرأسمالية لتسويغ حروب حكوماتهم الدمويّة البغيضة وإطفاء الطّابع العلمي على سلوكياتهم وجعل الحرب والنزاع ناموساً طبيعياً لتطوّر المجتمعات الإنسانية وتقدّمها، أمّا الأشخاص الّذين وقعوا دون وعي تحت تأثير أفكار هؤلاء اللاّإنسانيّة وراحوا يطبّقون هذه الآية عليها فهم بعيدون عن تعاليم القرآن، لأنّ القرآن يقول بكلّ صراحة: (يا أيّها الذين آمنوا ادخلوا في السّلم كافّة)(9). ومن العجب أنّ بعض المفسّرين المسلمين مثل صاحب المنار وكذلك (المرائي) في تفسيره وقعوا تحت تأثير هذه الفرضيّة إلى الحدّ الذي اعتبروها أحد السنن الإلهيّة، ففسّروا بها الآية محلّ البحث وتصوّروا أنّ هذه الفرضيّة من إبداعات القرآن لا من ابتكارات واكتشافات داروِن، ولكن كما قلنا أنّ الآية المذكورة ليست ناظرة إلى هذه الفرضيّة، ولا أنّ هذه الفرضيّة لها أساس علمي متين، بل أنّ الأصل الحاكم على الروابط بين البشر هو التعاون على البقاء لاتنازع البقاء. ﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ﴾ بنصره ﴿وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ﴾ وزوجه طالوت بنته ﴿وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ﴾ في الأرض المقدسة ولم يجتمعوا على ملك قبل داود ﴿وَالْحِكْمَةَ﴾ النبوة ﴿وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء﴾ كمنطق الطير والسرد ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾ بدفع الهلاك بالبر عن الفاجر أو بنصر المسلمين على الكفار ﴿لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾ بغلبة المفسدين فيها ﴿وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ في دينهم وديارهم.