وهنا قالَ الرجل العالم كلامه الأخير لموسى، بأنّك ومِن خلال حوادث مُختلفة، لا تستطيع معي صبراً، لذلك قرَّر العالم قراره الأخير: (قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً).
موسى(ع) لم يعترض على القرار - طبعاً - لأنَّهُ هو الذي كان قد اقترحهُ عندَ وقوع الحادثة السابقة، وهكذا ثبت لموسى أنَّهُ لا يستطيع الإستمرار مع هذا الرجل العالم.
ولكن برغم كل ذلك، فإِنَّ خبر الفراق قد نزل بوقع شديد على قلب موسى(ع)، إِذا يعني فراق أستاذ قلبه مملوء بالأسرار، ومفارقة صُحبة مليئة بالبركة، إِذ كان كلام الأستاذ دَرساً، وتعاملهُ يتسّم بالإِلهام; نور الله يشع مِن جبينه، وقلبه مخزن للعلم الإِلهي.
إِنّ مفارقة رجل بهذه الخصائص أمرٌ صعب للغاية، لكن على موسى(ع) أن ينصاع لهذه الحقيقة المُرَّة.
المفسّر المعروف أبو الفتوح الرازي يقول: ورد في الخبر، أنَّ موسى(ع)عندما سُئِلَ عن أصعب ما لاقى مِن مُشكلات في طول حياته، أجاب قائلا: لقد واجهت الكثير مِن المشاكل والصعوبات (إِشارة إِلى ما لاقاه(ع) مِن فرعون، وما عاناه مِن بني إِسرائيل) ولكن لم يكن أيّاً مِنها أصعب وأكثر ألماً على قلبي مِن قرار الخضر في فراقي إِيَّاه"(4).
"تأويل" مَن "أول" على وزن "قول" وتعني الإِجاع، لذا فإِنَّ أي عمل أو كلام يُرجعنا إِلى الهدف الأصلي يُسمّى "تأويل" كما أنَّ رفع الحجب عن أسرار شيء هو نوع مِن التأويل.
اطلاق كلمة (التأويل) على تفسير الاحلام يعود لهذا السبب بالذات، كما ورد في سورة يوسف (هذا تأويل رؤياي)(5)
﴿قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ﴾ أي هذا الإنكار سبب الفراق أو هذا وقته ﴿سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا﴾.