التّفسير
الأسرار الداخلية لهذه الحوادث:
بعد أن أصبح الفراق بين موسى والخضر(عليهما السلام) أمراً حتمياً، كانَ مِن اللازم أن يقوم الأستاذ الإِلهي بتوضيح أسرار أعماله التي لم يستطع موسى أن يصبر عليها، وفي الواقع فإِنَّ استفادة موسى مِن صُحبته تتمثل في معرفة أسرار هذه الحوادث الثلاثة العجيبة، والتي يمكن أن تكون مفتاحاً للعديد مِن المسائل، وجواباً لكثير من الأسئلة.
ففي البداية ذكر قصّة السفينة وقال: (أمّا السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكانَ وراءهم ملك يأخذ كل سفنية غصباً).
وبهذا الترتيب كان ثمّة هدف خيِّر وراء ثقب السفينة الذي بدأ في حينه عملا مشيناً سيئاً، والهدف هو نجاتهم مِن قبضة ملك غاصب، وكان هذا الملك يترك السفينة المعيبة ويصرف النظر عنها.
إِذاً خلاصة المقصود في الحادثة الأُولى هو حفظ مصالح مجموعة مِن المساكين.
كلمة "وراء" لا تعني هُنا الجانب المكاني، وإِنّما هي كناية عن الخطر المحيط بهم (خطر الملك) بدون أن يعلموا به، وبما أنَّ الإِنسان لا يحيط بالحوادث التي سوف تصيبهُ لاحقاً، لذا استخدمت الآية التعبير الآنف الذكر.
إِضافة إِلى ذلك فإنَّ الإِنسان عندما يخضع لضغط فرد أو مجموعة فإِنَّهُ يستخدم تعبير (وراء) كقوله مثلا: الدّيانون ورائي ولا يتركوني; وفي الآية (16) مِن سورة إِبراهيم نقرأ قوله تعالى: (مِن ورائه جهنَّم ويسقى مِن ماء صديد)وكأنَّ جهنَّم تلاحق وتتبع المذنبين، لذا فقد استخدمت كلمة وراء(1).
ويفيد استخدام كلمة (مسكين) أنَّ "المسكين" ليسَ هو الشخص الذي لا يملك شيئاً مطلقاً، بل هي وصف يُطلق على الأشخاص الذين يملكون أموالا وثروة لكنَّها لا تفي بحاجاتهم.
ويحتمل أيضاً أن يكون السبب في إِطلاق وصف (المساكين) عليهم ليسَ بسبب الفقر المالي، بل بسبب افتقارهم للقوّة والقدرة، وهذا التعبير يستخدم في لغة العرب، كما وأنَّهُ يتلاءم مع الجذور الأصلية لمعنى مسكين لغوياً، والذي يعني السكون والضعف.
وفي نهج البلاغة نقرأ قول أمير المؤمنين(ع): "مسكين ابن آدم .. تؤلمهُ البقة، وتقتله الشرقة، وتنتنهُ العرقة"(2).
﴿فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً﴾ طهارة وصلاحا ﴿وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ رحمة بأبويه قال الصادق (عليه السلام) أبدلهما الله جارية فولدت سبعين نبيا.