(وأمّا مَن آمن وعمل صالحاً فلهُ جزاءً الحسنى).
(وسنقول لهُ مِن أمرنا يُسراً).
أي أنّنا سنتعامل معهُ بالقول الحسن، فضلا عن أنّنا سنخفف عنهُ ولا نجعلهُ يواجه المشاكل والصعاب، بالإِضافة إِلى أنّنا سوف لن نجبي مِنهُ ضرائب كثيرة.
والظاهر أنَّ ذا القرنين أراد مِن ذلك أن الناس سينقسمون مقابل دعوتي الى التوحيد والإِيمان والنهي عن الظلم والفساد إِلى مجموعتين، الأُولى: هي المجموعة التي سترحب ببرنامجه الإِلهي ودعوته للتوحيد والإِيمان وهذه ستجزى بالحسنى وستعيش حياة آمنة ومطمئنة.
أمّا الثّانية: فستتخذ موقفاً عدائياً مِن دعوة ذي القرنين وتقف في الجبهة المناوئة، وتستمر في شركها وظلمها، وتواصل فسادها.
وهي لذلك ستعاقب نتيجة موقفها هذا أشدّ العقاب.
وبمقارنة قوله: (مَن ظلم) وقوله: (مَن أمن وعمل صالحاً) يتبيّن لنا أنَّ الظلم يعني هنا الشرك والعمل غير الصالح الذي يُعدُّ مِن ثمار شجرة الشرك المشؤومة.
وعندما إنتهى "ذو القرنين" مِن سفره إِلى الغرب توجه إِلى الشرق حيثُ يقول القرآن في ذلك: (ثمّ أتَبَع سَبَاً) أي استخدم الوسائل والإِمكانات التي كانت بحوزته.
(حتى إِذا بلغ مطلع الشمس).
وهنا رأى أنّها: (وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم مِن دونها ستراً).
وفي اللفظ كناية عن أنَّ حياة هؤلاء الناس بدائية جدّاً، ولا يملكون سوى القليل مِن الملابس التي لا تكفي لتغطية أبدانهم مِن الشمس.
أمّا بعض المفسّرين فلم يستبعدوا افتقار هؤلاء الناس إِلى المساكن التي تحميهم مِن الشمس(4).
وهناك احتمال آخر يطرحه البعض، ويرى أن يكون هؤلاء القوم في أرض صحراوية تفتقر للجبال والأشجار والملاجيء، وأن ليسَ في تلك الصحراء ما يمكِّن هؤلاء القوم مِن حماية أنفسهم مِن الشمس مِن غطاء أو غير ذلك(5).
بالطبع ليسَ هناك تعارض بين التفاسير هذه، قوله تعالى: (كذلك وقد أحطنا بما لديه خُبراً).
هكذا كانت أعمال "ذو القرنين" ونحن نعلم جيداً بإِمكاناته.
بعض المفسّرين قال: إِنَّ هذه الآية تُشير إِلى الهداية الإِلهية لذي القرنين في برامجه ومساعيه(6).
﴿وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى﴾ فعلته الحسنى أو الإضافة بيانية وقرىء بالتنوين منصوبا حالا ﴿وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا﴾ بما تأمرنا به ﴿يُسْرًا﴾ ذا يسر أي تأمره بما يسهل عليه.