ثمّ أمر ذو القرنين فقال: (آتوني زبر الحديد).
"زُبر" جمع "زُبرة" على وزن (غُرفة)، وتعني القطع الكبيرة والضخيمة مِن الحديد.
وعندما تهيأت قطع الحديد أعطى أمراً بوضع بعضها فوق البعض الآخر حتى غطّي بين الجبلين بشكل كامل: (حتى إِذا ساوى بين الصدفين).
"صدف" تعني هنا حافة الجبل، ويتّضح مِن هذا التعبير أنَّ هناك شقاً بين حافتي الجبل حيث كانَ يأجوج ومأجوج يدخلان منه، وقد صمم ذو القرنين ملأ هذا الشق.
الأمر الثّالث لذي القرنين هو طلبه مِنهم أن يجلبوا الحطب وما شابههُ، ووضعهُ على جانبي هذا السد، وأشعل النار فيه ثمّ أمرهم بالنفخ فيه حتى احمرَّ الحديد مِن شدة النّار: (قالَ انفخوا حتى إِذا جعلهُ ناراً).
لقد كان يهدف ذو القرنين مِن ذلك ربط قطع الحديد بعضها ببعض ليصنع منها سداً من قطعة واحدة، وعن طريق ذلك، قام ذو القرنين بنفس عمل "اللحام" الذي يُقام به اليوم في ربط أجزاء الحديد بعضها ببعض.
أخيراً أصدر لهم الأمر الأخير فقال: اجلبوا لي النحاس المذاب حتى أضعه فوق هذا السد: (قال آتوني أفرغ عليه قطراً).
وبهذا الشكل قام بتغطية هذا السد الحديدي بطبقة النحاس حتى لا ينفذ فيه الهواء ويحفظ مِن التآكل.
بعض المفسّرين قالوا: إِنَّ علوم اليوم أثبتت أنَّهُ عند إضافة مقدار مِن النحاس إِلى الحديد فإِنَّ ذلك سيزيد مِن مقدار مقاومته، ولأنَّ "ذا القرنين" كان عالماً بهذه الحقيقة فقد أقدم على تنفيذه.
إِنَّ المشهور في معنى "قطر" هو ما قلناه (أي النحاس المذاب)، إِلاَّ أنّ بعض المفسّرين فسَّر ذلك بـ "الخارصين المذاب" وهو خلاف المتعارف عليه.
﴿آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ﴾ قطعة على قدر الحجارة التي يبنى بها ﴿حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ﴾ بين جانبي الجبلين بنضد الزبر جعل الفحم بينها ﴿قَالَ انفُخُوا﴾ بالمنافخ في النار في الحديد فنفخوا ﴿حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ﴾ الحديد ﴿نَارًا﴾ كالنار ﴿قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا﴾ نحاسا مذابا.