لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
(يرثني ويرث من آل يعقوب) جملة (واجعله ربّ رضياً)، ولا شك أن هذه الجملة إِشارة إِلى الصفات المعنوية لذلك الوارث. 2 - إِنّ الله سبحانه لما بشره بولادة يحيى في الآيات القادمة، فإِنّه ذكر صفات ومقامات معنوية عظيمة، ومن جملتها مقام النبوة. 3 - إِن الآية (38) من سورة آل عمران بينت السبب الذي دفع زكريا إِلى هذا الطلب والدعاء، وأنّه فكر في ذلك عندما شاهد مقامات مريم حيث كان يأتيها رزقها من طعام الجنّة في محرابها بلطف الله: (هنا لك دعا زكريا ربّه قال ربّ هب لي من لدنك ذرية طبية إنّك سميع الدعاء). 4 - ورد في بعض الأحاديث عن النّبي(ص) ما يؤيد أن الإِرث هنا يراد به الارث المعنوي، وخلاصة الحديث أنّ الإِمام الصادق(ع) روى عن النّبي(ص): إِنّ عيسى بن مريم مرّ على قبر كان صاحبه يعذب، ومرّ عليه في العام الثّاني فرأى صاحب ذلك القبر لا يعذب، فسأله ربّه عن ذلك، فأوحى الله إِليه أنّه لصاحب هذا القبر ولد صالح قد أصلح طريقاً وآوى يتيماً، فغفر الله له بعمل ولده. ثمّ قال النّبي(ص): "ميراث الله من عبده المؤمن ولد يعبده من بعده"، ثمّ تلا الإِمام الصادق عند نقله هذا الحديث الآية المرتبطة بزكريا: (هب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضياً)(6). فإِن قيل: إِن ظاهر كلمة الإِرث هو إرث الأموال. فيقال في الجواب: إِن هذا الظهور ليسَ قطعياً، لأنّ هذه الكلمة قد استعملت في القرآن مراراً في الإِرث المعنوي، كالآية (32) من سورة فاطر، والآية (53) من سورة المؤمن. إِضافة إِلى أنّنا لو فرضنا أنّها خلاف الظاهر، فإِنّ هذا الإِشكال سيزول بوجود القرائن. إِلاّ أنّ أنصار الرأي الأوّل يستطيعون أن يناقشوا هذه الإِستدلالات، بأنّ ما كان يشغل فكر زكريا - نبي الله الكبير - هي مسألة الأموال، ولم تكن تشغله كمسألة شخصية، بل باعتبارها مصدراً لفساد أو صلاح المجتمع; لأنّ بني إِسرائيل - وكما قيل أعلاه - كانوا يأتون بالهدايا والنذور الكثيرة إِلى الأحبار فكانت تودع عند زكريا، وربما كانت هناك أموالا متبقية من قبل زوجته التي كانت من أسرة سليمان، ومن البديهي أن وجود شخص غير صالح يتولى هذه الأموال قد يؤدي إِلى مفاسد عظيمة، وهذا هو الذي كان يقلق زكريا. وأمّا الصفات المعنوية التي ذكرت ليحيى في هذه الآيات والآيات الأُخرى، فإِنّها تؤيد ما ذكرنا، وتنسجم معه، لأنّه أراد أن تقع هذه الثروة العظيمة بيد رجل صالح يستفيد منها في سبيل المجتمع. إِلاّ أنّنا نعتقد بأنا إِذا توصلنا من مجموع المباحث أعلاه إِلى هذه النتيجة، وهي أن للإرِث هنا مفهوماً ومعنى واسعاً يشمل إرث الأموال كما يشمل إرث المقامات المعنوية، فسوف لا يكون هناك مورد خلاف، لأنّ لكل رأي قرائنه، وإِذ لاحظنا الآيات السابقة واللاحقة ومجموع الرّوايات، فإِنّ هذا التّفسير يبدو أقرب للصواب. أمّا جملة (إِنّي خفت الموالي من ورائي) فإِنّها مناسبة لكلا المعنيين، لأنّ الأشخاص الفاسدين إِذ تولوا أمر هذه الأموال، فإِنّهم سيكونون مصدر قلق حقاً، وإِذا وقعت زمام الأُمور وقيادة الناس المعنوية بيد أناس منحرفين، فإِنّ ذلك أيضاً يثير المخاوف، وعلى هذا فإِنّ خوف زكريا يمكن توجيهه في كلا الصورتين. وحديث فاطمة الزهراء(عليها السلام) يناسب هذا المعنى أيضاً. 2 - ماذا تعني كلمة "نادى"؟ في قوله تعالى (إِذ نادى ربّه نداءً خفياً) طُرح هذا السؤال بين المفسّرين، وهو أن "نادى" تعني الدعاء بصوت عال، في حين أن "خفياً" تعني الإِخفات وخفض الصوت، وهذان المعنيان لا يناسب أحدهما الآخر. إِلا أننا إِذا علمنا أن "خفياً" لا تعني الإِخفات، بل تعني الإِخفاء، فسيكون من الممكن أن زكريا حين خلوته، حيث لا يوجد أحد سواه، كان ينادي ويدعو الله بصوت عال. والبعض قال: إِن طلبه هذا كان في جوف الليل حيث كان الناس يغطون في النوم(7). والبعض الآخر اعتبر قوله تعالى: (فخرج على قومه من المحراب) التي ستأتي في الآيات التالية، دليلا على وقوع هذا الدعاء في الخلوة(8). 3 - (ويرث من آل يعقوب) إِنّ زكريا قال: (ويرث من آل يعقوب)، وذلك لأنّ زوجته كانت خالة مريم أو عيسى، ويتصل نسبها بيعقوب، لأنّها كانت من أسرة سليمان بن داود، وهو من أولاد يهودا بن يعقوب(9). ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ﴾ وقرىء ويرثني وأرث ﴿مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾ مرضيا عندك.