لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
بعد هذه البشارة والآية الواضحة، خرج زكريا من محراب عبادته إِلى الناس، فكلّمهم بالإِشارة: (فخرج على قومه من المحراب فأوحى إِليهم أن سبحوا بكرة وعشياً) لأنّ النعمة الكبيرة التي منّ الله بها على زكريا قد أخذت بأطراف القوم، وكان لها تأثير على مصير ومستقبل كل هؤلاء، ولهذا فقد كان من المناسب أن يهبّ الجميع لشكر الله بتسبيحه ومدحه وثنائه. وإِذا تجاوزنا ذلك، فإِنّ بإِمكان هذه الموهبة التي تعتبر إِعجازاً أن تحكّم أسس الإِيمان في قلوب الناس، وكانت هذه أيضاً موهبة أُخرى. بحثان 1 - يحيى(ع) النّبي المتألّه الورع لقد ورد اسم "يحيى" في القرآن الكريم خمس مرات - في سور آل عمران، والأنعام، ومريم، والأنبياء - فهو واحد من أنبياء الله الكبار، ومن جملة امتيازاته ومختصاته أنّه وصل إِلى مقام النّبوة في مرحلة الطفولة، فإِنّ الله سبحانه قد أعطاه عقلا وذكاءً وقّاداً ودراية واسعة في هذا العمر بحيث أصبح مؤهلا لتقبل هذا المنصب. ومن خصائص هذ النّبي(ع) التي أشار إِليها القرآن في الآية (39) من سورة آل عمران ، وصفه بالحصور، كما قلنا في ذيل تلك الآية، فإِنّ "الحصور" من مادة الحصر، بمعنى وقوع الشخص في المحاصرة، وهي تعني هنا - طبقاً لبعض الرّوايات - الإِمتناع عن الزواج. لقد كان هذا العمل امتيازاً بالنسبة له، من جهة أنّه يبيّن نهاية العفة والطهارة، أو أنّه كان - نتيجة ظروف الحياة الخاصّة - مضطراً إِلى الأسفار المتعددة من أجل نشر الدين الإِلهي والدعوة إِليه، واضطر كذلك إِلى أن يعيش حياة العزوبة كعيسى بن مريم(ع). وهناك تفسير قريب من الصواب أيضاً، وهو أن الحصور - في الآية المذكورة - تعني الشخص الذي ترك شهوات الدنيا وملذاتها، وهذا في الواقع مرتبة عالية من الزهد(2). على كل حال، فإِنّ المستفاد من المصادر الإِسلامية والمسيحية أن يحيى كان بن خالة عيسى. فقد صرّحت المصادر المسيحية بأنّ يحيى غسل المسيح(ع) غسل التعميد، ولذلك يسمّونه (يحيى المعمد) - وغسل التعميد غسل خاص يغسل المسيحيون أولادهم به، ويعتقدون أنّه يطهرهم من الذنوب - ولما أظهر المسيح نبوته آمن به يحيى. لا شك أن يحيى لم يكن له كتاب سماوي خاص، وما نقرأه في الآيات التالية من أنّه (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) إِشارة إِلى التوراة، وهي كتاب موسى(ع). وهناك جماعة يتبعون يحيى، وينسبون له كتاباً، وربما كان (الصابئون الموحدون) من أتباع يحيى(3). لقد كان بين يحيى وعيسى جوانب مشتركة، كالزهد الخارق غير المألوف، وترك الزواج للأسباب التي ذكرت، وولادتهما التي تحمل طابع الإِعجاز، وكذلك النسب القريب جدّاً. ويستفاد من الرّوايات الإِسلامية، أن بين الحسين(ع) ويحيى(ع) جهات مشتركة، ولذلك فقد روي الإِمام زين العابدين علي بن الحسين(ع) أنّه قال: "خرجنا مع الحسين بن علي(ع)، فما نزل منزلا ولا رحل منه إِلاّ ذكر يحيى بن زكريا وقتله، وقال: ومن هوان الدنيا على الله أنّ رأس يحيى بن زكريا أهدي إِلى بغي من بغايا بني إِسرائيل"(4). كما أن شهادة الحسين(ع) تشبه شهادة يحيى(ع) من عدّة جهات أيضاً، وسنذكر كيفية قتل يحيى فيما بعد. وكذلك فإِنّ اسم الحسين(ع) كاسم يحيى(ع) لم يسبقه به أحد، ومدّة حملهما كانت أقل من المعتاد. 2 - ما معنى كلمة "المحراب"؟ "المحراب" محل خاص في مكان العبادة يجعل للإِمام أو الوجهاء والمبرزين، وقد ذكروا علتين لهذه التسمية: الأُولى: أنّها من مادة "حرب"، لأنّ المحراب في الحقيقة محل لمحاربة الشيطان وهوى النفس. والثّانية: أنّ المحراب في اللغة بمعنى مكان الصدارة في المجلس، ولما كان مكان المحراب في صدر المعبد فقد سمي بهذا الإِسم. يقول البعض: إِنّ المحراب كان عند بني إِسرائيل بعكس ما هو المتعارف عندنا، حيث كان في مكان أعلى من سطح الأرض حيث يُرتقى اليه بعدّة درجات. وكانوا يحيطونه بالجدران بحيث تصعب رؤية الذين يتعبدون في داخل المحراب، ويؤيد ذلك ما ورد في الآية: (فخرج على قومه من المحراب) والتي قرأناها في الآيات محل البحث، ومع ملاحظة كلمة "على" التي تستعمل عادة للدلالة على الجهة العليا يتّضح هذا المطلب أكثر. ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ﴾ المصلى ﴿فَأَوْحَى﴾ أومأ ﴿إِلَيْهِمْ﴾ أو كتب في الأرض ﴿أَن سَبِّحُوا﴾ صلوا أو نزهوا الله ﴿بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ طرفي النهار.