التّفسير
إِسماعيل نبي صادق الوعد:
بعد ذكر إِبراهيم(ع) وتضحيته، وبعد الإِشارة القصيرة إِلى حياة موسى(ع)المتسامية، يأتي الحديث عن إِسماعيل، أكبر ولد إِبراهيم، ويكمل ذكر إِبراهيم بذكر ولده إِسماعيل، وبرامجه ببرامج ولده، ويبيّن القرآن الكريم خمس صفات من صفاته البارزة التي يمكن أن تكون قدوة للجميع.
ويبدأ الكلام بخطاب الآية الشريفة للنّبي(ص)، فتقول: (واذكر في الكتاب إِسماعيل إِنّه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيّاً وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربّه مرضياً).
لقد عدّت هاتان الآيتان كونه صادق الوعد، نبيّاً عالي المرتبة، أمرهُ بالصلاة والإِرتباط بالخالق، وأمرهُ بالزكاة وتحكيم الروابط والعلاقات بخلق الله، وأخيراً القيام بالأعمال التي تجلب رضى الله سبحانه من صفات هذا النّبي العظيم.
وتؤكّد الآيتان على الوفاء بالعهد، والإِهتمام بتربية العائلة، وتشيران إِلى الأهمية الخاصّة لهذين التكليفين، اللذين ذكر أحدهما قبل النّبوة، والأخر بعدها مباشرة.
إِنّ الإِنسان - في الواقع - ما لم يكن صادقاً، فمن المستحيل أن يصل إِلى مقام الرسالة السامي، لأنّ أوّل شرط لهذه الرتبة أن يبلغ الوحي الإِلهي إِلى العباد بدون زيادة أو نقصان، ولذلك فحتى الأفراد المعدودون الذين ينكرون عصمة الأنبياء في بعض الأحوال، فإِنّهم اعترفوا وأقروا بأنّ مسألة صدق النّبي شرط أساسي، الصدق في الأخبار، وفي الوعود، وفي كل شيء.
ونقرأ في رواية عن الإِمام الصادق(ع): "إِنّما سمّي إِسماعيل صادق الوعد، لأنّه وعد رجلا في مكان فانتطره في ذلك المكان سنة، فسمّاه الله عزَّوجل صادق الوعد.
ثمّ قال: إِنّ الرجل أتاه بعد ذلك فقال له إِسماعيل: ما زلت منتظراً لك"(1).
من البديهي أنّه ليس المراد أنّ إِسماعيل قد ترك عمله وأُمور حياته، بل المراد أنّه في الوقت الذي كان يمارس أعماله كان يراقب مجيء الشخص المذكور.
وقد بحثنا في مجال الوفاء بالعهد بصورة مفصلة في ذيل أوّل آية من سورة المائدة.
ومن جهة أُخرى فإِنّ المرحلة الأُولى لتبليغ الرسالة هي الشروع من عائلة المبلغ الذين هم أقرب الناس إِليه، ولهذا فإنّ نبي الإِسلام(ص) بدأ دعوته أيضاً بزوجته الغالية خديجة(عليها السلام)، وابن عمّه علي(ع)، ثمّ وحسب أمر (وأنذر عشيرتك الأقربين)(2) توجه إِلى أقربائه.
وفي الآية (132) من سورة طه نقرأ أيضاً: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها).
النقطة الأُخرى التي تستحق الذكر هنا، أن وصف إِسماعيل بكونه مرضياً، إِشارة في الواقع إِلى هذه الحقيقة، وهي أنّه قد حاز رضى الله في كل أعماله، ولا توجد نعمة أجلّ من أن يرضى المعبود والمولى والخالق عنه، ولهذا تقول الآية (119) من سورة المائدة بعد أن بينت نعمة الجنة الخالدة لعباد الله المخلصين: (رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم)(3).
﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ﴾ ابن إبراهيم ﴿إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾ إذا وعد شيئا وفى به وقد وقع الصبر على الذبح فوفى وروي أنه إسماعيل بن حزقيل انتظر من وعده سنة حتى أتاه وهو في مكانه ﴿وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا﴾.