ولما كان منهج القرآن في كل موضع هو فتح ابواب الرجوع إِلى الإِيمان والحق دائماً، فإِنّه يقول هنا أيضاً بعد ذكر مصير الأجيال المنحرفة: (إِلاّ من تاب وآمن وعمل صالحاً فأُولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً)، وعلى هذا فلا يعني أن الإنسان إِذا غاص يوماً في الشهوات فسيكتب على جبينه اليأس من رحمة الله، بل إِن طريق التوبة والرجوع مفتوح ما بقي نفس يتردد في صدر الإِنسان، وما دام الإِنسان على قيد الحياة.
بحثان
1 - من هو إِدريس؟
طبقاً لنقل كثير من المفسّرين، فإنّ إِِدريس جدّ سيدنا نوح(ع) واسمه في التوراة (أخنوخ) وفي العربية (إِدريس)، وذهب البعض أنّه من مادة (درس) لأنّه أوّل من كتب بالقلم، فقد كان إِضافة إِلى النّبوة عالماً بالنجوم والحساب والهيئة، وكان أوّل من علم البشر خياطة الملابس.
لقد تحدث القرآن عن هذا النّبي الكبير مرّتين فقط، وبإِشارة خاطفة: إِحداهما هنا في هذه الآيات، والأُخرى في سورة الأنبياء الآية 85 - 86، وقد ذكرت حياته بصورة مفصلة في روايات مختلفة نشك في صحة أكثرها، ولهذا السبب اكتفينا بالإِشارة أعلاه.
2 - من هم الذين (اضاعوا الصلاة)
نقرأ في حديث ورد في كثير من كتب علماء أهل السنة، أن النّبي(ص)عندما تلا هذه الآية قال: "يكون خلف من بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً، ثمّ يكون خلف يقرأون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن، منافق، وفاجر"(4).
ينبغي الإِلتفات إِلى أنّنا إِذا اعتبرنا هجرة النّبي(ص) مبدأ الستين سنة، فإنّه ينطبق تماماً على الزمن الذي تربع فيه يزيد على كرسي الحكم، واستشهد فيه سيد الشهداء الإِمام الحسين(ع) وأصحابه، ويشير الحديث بعد ذلك إِلى بقية فترة بني اُمية وفترة بني العباس الذين كانوا قد اقتنعوا من الإِسلام بالإِسم، ومن القرآن باللفظ، ونعوذ بالله أن نكون من هذا الخلف المنحرف.
﴿إِلَّا﴾ لكن ﴿مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ﴾ ببناء المعلوم والمجهول ﴿وَلَا يُظْلَمُونَ﴾ ينقصون ﴿شَيْئًا﴾ من ثوابهم.