وبعد الوصف الإِجمالي للجنّة ونعمها المادية والمعنوية، تعرّف الآية أهل الجنّة في جمله قصيرة، فتقول: (تلك الجنّة التي نورث من عبادنا من كان تقياً)وعلى هذا فإن مفتاح باب الجنة مع كل تلك النعم التي مرت ليس إِلاّ "التقوى".
وبالرغم من أنّ التعبير بـ "عبادنا" فيه إِشارة إِجمالية إِلى الإِيمان والتقوى، غير أنّ المحل هنا لا يكتفى فيه بالإِشارة الإِجمالية، بل لابدّ من بيان هذه الحقيقة بصراحة، بأن الجنة محل المتقين فقط.
ونواجه هنا مرّة أُخرى كلمة الإِرث، والتي تطلق عادة على الأموال التي تنتقل من شخص إِلى آخر بعد موته، في حين أنّ الجنّة ليست مملوكة لأحد حتى يمكن توريثها للآخرين.
ويمكن الإِجابة على هذا السؤال عن طريقين:
1 - إِنّ الإرث من الناحية اللغوية جاء بمعنى التمليك، ولا ينحصر بالإِنتقال المالي من الميت إِلى الورثة.
2 - إِنّنا نقرأ في حديث عن النّبي الأكرم(ص): "ما من أحد إِلاّ وله منزل في الجنّة ومنزل في النّار، فأمّا الكافر فيرث المؤمن منزله من النّار، والمؤمن يرث الكافر منزله من الجنّة"(3).
ويلزم هنا أيضاً ذكر هذه النكتة، وهي أن الوارثة التي وردت بذلك المعنى في الحديث ليست على أساس العلاقة النسبية، بل على أساس التقوى الدينية والعملية.
ويستفاد هذا المعنى أيضاً من سبب النّزول الذي ذكره بعض المفسّرين للآية، بأن أحد المشركين - واسمه العاص بن وائل - قد منع أجيره أجره - والظاهر أنّه كان مسلماً - وقال متهكماً: إن كان ما يقوله محمّد حقاً فنحن أولى من غيرنا بنعم الجنّة، وسندفع أجر هذا العامل بالكامل هناك! فنزلت هذه الآية وقالت: إنّ الجنّة مختصة بمن كان تقياً.
﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ﴾ نعطي ونملك كما يملك الوارث مال مورثه ﴿مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا﴾ بطاعته.